كل المجتمعات بدون فرق سواء كانت عربية أم أعجمية تتفق على مبدإ من بين المبادئ السامية للإنسانية و هو الصدق في جميع الأمور، رغم أنه في زمننا هذا أصبح مجرد عنوان لا يعمل به و لا ينصح به. فكثيرا من الناس يخفون الصدق في كلامهم و تعاملهم و نصائحهم، و لكن يظل الصدق خلقا حسنا يتصف به من هو صادق .

و لهذا أحسست أنه يجب أن أكون صادقة في الكتابة و أكتب عن واقع أغلبنا يتجاهله أو بالأحرى واقع يخفون حقيقته.

إنه واقع أغلب المغتربين و لن أتحدث سوى على أبناء وطني، نعم عن أبناء وطني أتحدث.

معظم أبناء وطني المغتربين و طبعا ليس كلهم لديهم نظرة سوداء اتجاه الوطن.

فلماذا لديهم تلك النظرة القبيحة اتجاه وطنهم؟

أغلبهم عانوا من البطالة و آخرون عانوا من مشاكل مختلفة فلم يجدوا حلا سوى الهروب من الوطن في اتجاه مجهول قد يكون الأحسن.

فأين هو المشكل الذي تطرحه هذه الغربة؟

الغربة بحد ذاتها ليست مشكلا، فالمشكل في أبناء وطني الذين يعطون صورة قبيحة عن وطنهم حتى أصبح الأجانب يعتبروننا كمتشردين في وطننا و في وطنهم.

المشكلة الكبيرة هو أن هاته الأصناف لا تعيش حياة أحسن من تلك التي هربوا منها، و الفرق هو أنهم رضوا بأن ينظفوا شوارع و بيوت الغرباء بعدما كانوا يسمونه ذلا في بلادهم، رغم أن الأجانب علموهم أنهم ليسوا بحاجة لمن ينظف لهم بلادهم، و لديهم كل الحق في ذلك .

رغم كل هذا و رغم بساطة معيشتهم في الغربة يستمرون في وقاحتهم ليصفوا وطنهم بالقبح و غير ذلك من الأوصاف السيئة، و منهم من يرفض العودة إليه رغم أنه يعيش ظروفا قاسية. و السؤال هو: لماذا كرهوا وطنهم و أحبوا وطنا لم يمنحهم حياة أفضل؟

الشيء الوحيد الذي يتسابقون إليه هو غنائم الكنائس و بعض المال الذي تتبرع به هذه الدول لنسائهم عند الولادة .

نعم لا ننكر أن لهذه الدول مميزات و لكن ليست أحسن من وطننا، فهذه المميزات التي تغري أي مغترب يعتبرونها هم مساعدة لا غير ، و اذا كانت مساعدة لغيرهم فلأنهم أفراد أحبوا وطنهم و أحبوا مساعدة غيرهم، عكس أبناء وطني الذين ينقصون من قيمة وطنهم و لا يدركون أنهم ينقصون من قيمتهم لا غير.

نحن في وطن غيرنا يعتبروننا أدنى منهم في المستوى بسبب اخواننا الذين يسيئون في تعاملاتهم ،فيظنون أن الرجال لا يحترمون النساء و يظنون أننا أغبى كائنات على وجه الأرض.

و الحقيقة التي لا يتقبلها أبناء وطني هي أنهم ليسوا رجالا في وطنهم و لا في وطن الغير، فيتحججون بأن الوطن لم ينصفهم، و هم في الأصل لا حيلة لهم هنا و لا هناك.

الكثير منهم لا يتقبلون الحقيقة ، و يظلون يطلقون العنان لألسنتهم لتشويه وطنهم.

لازلت أتذكر احدى السيدات حين كتبت على صفحتها : اليوم سرقوا جميع أثاث منزلي و قد اشتريته بثمن غال جدا،الويل لذلك الوطن لن أعود إليه مجددا و سأجعل أبنائي يكرهونه.

أتساءل هل الوطن هو الذي سرق لها أثاثها الغالي ؟

ما الذي ستستفيده من كره أبنائها لوطن أجدادهم؟

هل السرقة توجد في ذلك الوطن وحده؟

من المؤسف أن نجد مثل هذه العقليات تكتب عن الوطن و تتحدث عنه أمام الأجانب لأن الوطن يبقى وطنا كجميع الأوطان و الفرق يكمن فقط في أفراد هذا الوطن.

كذلك أتذكر حين كنت مع سيدتين تتحدثان عن التحرش فقالت احداهما للأخرى: ما أروع هذا البلد فهنا لن يتحرش بك أحد، ليس كبلدنا .

أجابتها الأخرى: صدقت فأنا حينما أريد الخروج هناك لا أستطيع وحدي دائما ترافقني حماتي.

لم يكن بوسعي سوى أن أوقفهما لأنني فعلا أحس بأن الأفواه تنهش في وطني من كل جانب.

فكيف تريدان أن يتحرش بهما أجنبي و كلاهما بطنهما منفوخ و على وشك الولادة؟

التحرش قضية عالمية و ليست خاصة ببلد معين، فحتى رؤساء الدول ضبطوا متحرشين ، و التحرش له أصنافه الخاصة.

لن أنسى كذلك أحدهم و هو يتحدث عن أسياده مدعيا أنهم سرقوا له خيرات البلد.

كيف سرقوا له خيرات البلاد و هو ليس من سلالتهم؟

كيف يريد إرثا و هو ليس من الورثة؟

كيف يريد عمل دكاترة و هو بدون شهادات؟

من المؤسف حقا أن نجد أبناء وطن لا يغارون على وطنهم، فكيفما كان من الواجب علينا أن نحافظ على سمعته، لأن سمعته هي سمعتنا و صورته هي صورتنا.

لا أنكر أنه في مجتمعنا توجد طبقات تعاني و لكن هل الوطن هو المسؤول؟

لا الوطن ليس مسؤولا عن معاناة أحد، فالإنسان خلق ليعمل و ليجتهد و ليتعب متكلا على خالقه وحده و ليس على الوطن. فنحن بفضل الله نعيش لا بفضل أحد.

و في الأخير لا يسعني سوى أن أقول عذرا يا وطني فكل أخطاء البشر ينسبونها إليك، عذرا إن أساؤوا اليك.