فى غرفة مظلمة ،ذات أثاث بسيط يجلس حسن الشاب العشرينى على سريرة،واضعا رأسة بين راحتية، وهو يبكى بصوت خافت ،ويهمس لنفسه بصوت مبحوح "ليه يا أمى تسيبينى". .

عندما تنظر لحسن ترى أمامك شخص كالأموات الأحياء،ترى فى عينية إنطفاء روحه،فهو أصبح كالهيكل العظمى .

وهو لا يفعل شئ في يومه سوى الحملقة بصورة أمه المعلقة على الجدار،أو دفن وجهه براحتيه للبكاء بصوت مكتوم ،حتى لا يسمع والده نشيجه وبكاءة،أو يقطع الغرفة ذهاباً وإياباً حتى ينهكه التعب،ويستسلم للنوم.

يطرق الباب الحاج علي والد حسن قائلاً"أفتح يا حسن ،حرام عليك نفسك يابنى ، أمك الله يرحمها ربنا رحمها من عذاب الكورونا،يا ابنى أخرج إتغدا معايا"

يرد حسن بصوت أنهكه الحزن"سيبنى يا ابويا دلوقتى،وهبقى كويس".

يرجع والد حسن كسير ،عاجز عن فعل أى شئ لإخراج إبنه من حالته النفسية السيئة.

يفكر الحاج علي والد حسن بالأتصال بخال حسن الدكتور أحمد،لقربة من حسن في السن ،فالفارق العمري لا يتجاوز السبع سنوات،بالإضافةلصداقتهم وإعتبار حسن خالة الدكتور أحمد المثل الأعلى له لتفوقه العلمى وأخلاقه .

يجلس الحاج علي بالصالة بجوار الشباك المطل على مزلقان السكة الحديدية وهو مهموم ،بسبب ما حل بإبنه الوحيد.

يمسك بهاتفه المحمول ،يقلب بقائمة الأتصال ويطلب رقم الدكتور أحمد، يرن الجرس للحظات ،ليرد د/أحمد ويكون الحوار كالاتي :

د/أحمد: السلام عليكم يا حاج علي.

الحج على/وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،أزيك يا دكتور عامل ايه.

د/أحمد :أنا الحمد لله كويس،أزى حسن عامل إيه .

الحاج علي: حسن مش كويس يا دكتور،ليه أربع شهور من ساعة وفاة أمه مش بيخرج من أوضته،ولابيقابل حد من صحابة ، ومش بيذاكر ،والأمتحانات هتبدأ بكرة.

د/أحمد: أنا قلتلك يا حاج، حسن محتاج يتعرض على دكتور نفساني وأنت رفضت تماما، وقلتلى أنا أبنى ميروحش لدكتور مجانين.

الحاج علي: هو ده القدرك عليه ربنا،عايز تفضحنا ، عايز ابن اختك يدمن المهدئات .

يقوم الحاج علي بغلق الخط في وجه خال ولده ،وهو محمر الوجه من الغيظ، وأخذ يتحدث إلى نفسه "لا يمكن يروح لدكتور مجانين،أنا عندى يموت ولا نتفضح قدام الناس"،فى هذه اللحظة يتعالى صوت صفير القطار ،المار بالمازلقان أمام المنزل .

يمسك حسن هاتفة المحمول،وينظر لقائمة المكالمات الفائتة،وإلى رسائل أصدقائه التى لم يرد عليها،فكم حاول أصدقائه أن يساعدوه فى الخروج من حالته النفسية،ولكن محاولاتهم جميعاً باءة بالفشل،كم أتوا إلى المنزل وحاولوا مقابلته ،ولكنه رفض حتى أن يستقبلهم ،أو أن يرد على مكالماتهم ،ورسائلهم.

فى الصباح الباكر أثناء قراءة الحاج علي للقرآن الكريم في مصحف زوجته الراحلة،يخرج حسن من غرفته ،وهو حليق الذقن،مهذب شعر الرأس،مهندم الملابس،يقطع الحاج علي. قراءته،وينظر لحسن وهو ومندهش ،فهو لم يرى حسن في هندامه منذ وفاة زوجته.

يبادر الحاج علي بالكلام"أخيراً يا حسن هتفطر معايه،بس ايه الشياكه والجمال ده،أنت رايح تخطب من ورايا"،حاول الحاج علي أن ينتزع البسمة من وجه حسن،ولكن كانت إبتسامة حسن فاترة .

تكلم حسن قائلاً بصوت حاول حسن أن يدفن فيه الحزن"أنا آسف يا حج مش هقدر أفطر معاك،عشان ألحق الإمتحان"،ثم أردف قائلاً"عارف ياحج أنك مستغرب دخولى الإمتحانات ،من غير مذاكر،لكن أنا رايح عشان أرجع تانى لجو الكلية".

رد الحاج على بشئ من الأندهاش،للتغير الذى حل بإبنه سريعاً"غريب أنك هتروح الإمتحانات ،بعد ما كنت ناوى متدخلش الإمتحانات،بس على العموم روح يابنى ربنا معاك.

تابع الحاج علي إبنه حسن بنظره وهو يخرج من الشقة ،ويغلق باب الشقة بهدوء، ومع صوت إنغلاق الباب شعر الحاج علي بالأنقباض يملأ قلبه .

خرج حسن من العمارة وهو كالذاهل عمل حوله،أصطدم بوجه حسن نسيم الهواء البارد،منحت روحة السكينة.

كان حسن يمشى بلا هدف،لا يرى شئ مما حوله،يسمع أصوات المارة تلقى عليه السلام،وهو لا يرد ،ويمشى ببطئ وذهول عما حوله،وفجأة يسمع أصوات مختلطة بصوت صفير القطار،"حاسب،حاسب،حاسب،خلى بالك،القطر"حتى أنقطعت الأصوات .....