يقوم نظامنا التعليمي على أساس المنافسة. يتنافس الطلاب لإحراز المركز الأول، ويحتفي المجتمع التعليمي ليس بالناجحين بل "بالأوائل". وفي المنازل، يعتمد المربّون أساليب التنافس يين الأطفال حتى في الأنشطة الترفيهية. معظم الألعاب الشائعة تتضمن التنافس وما يترتب عليه من فوز وخسارة، كلعبة شد الحبل والكراسي والسباقات الرياضية وتقريبا كل نشاط قد تفكر فيه.

تكاد تجد مظهرا للمنافسة في كل جانب اجتماعي تربوي أو تعليمي، ولن أتحدث هنا عن مجالات كالسياسة أو الرياضات فهي تتطلب التنافس بالضرورة، ولكن هل المنافسة ضرورية في التعليم والتربية؟

المنافسة تقوم على وضع المتعلمين في موضع تحد، بحيث يقتصر الفوز وتحقيق الهدف على واحد منهم ويخسر الآخرون. وحتى إن أتيح لأكثر من فرد أن يفوز، فإن ذلك يتضمن وضعهم في ترتيب بحسب "الأفضل أداء"، وبذلك تحضر دوما ثنائية الفوز والخسارة. يدعي المؤيدون لهذه الأساليب أنها تدفع بالمتعلمين لتحقيق أفضل ما لديهم، وأنها تجعل رغبتهم في الإنجاز مستمرة ومتقّدة. بل يذهب كثيرون إلى أنها الأنسب للطبيعة الإنسانية، معتبرين الإنسان كائنا ذا نزعة تنافسية بحتة.

بدأتُ التدريس حديثا، ووجهة النظر أدناه أقدمها بصفتي تربوية ذات خبرة قصيرة معظمها مبني على الملاحظة والمشاهدة. لا أؤمن بفاعلية المنافسة، ولم أقتنع بها حتى حين كنت من الطلاب الأعلى أداء والمرشحين "للفوز". وقد عزّزت تجربتي في التدريس هذا التوجّه بسبب الملاحظات التالية:

  1. المنافسة محبطة للطلاب، وغالبا ما تؤدي إلى خلافات ونزاعات خاصة في النشاطات التي تعتمد تقييما غير موضوعي.

  2. المنافسة لا تقدّر النواتج التعليمية مهما بلغت جودتها، إلا واحدا فقط وهو الأفضل.

  3. المتفوقون دراسيا ليس لديهم سبب لبذل جهد حقيقي في المنافسات. هم يعلمون سلفا بأنهم يمتلكون مهارات أعلى من زملائهم. وبالمثل فالطلبة الأقل مستوى يدركون أن لا فرصة لديهم ويفضلون عدم إضاعة الوقت والجهد في الإنجاز.

  4. لا تدلّل المنافسة على إنجاز حقيقي بالضرورة. قد يوضع إنجاز متوسط الجودة لطالب ما في مقارنة مع أداء آخرين أقل موهبة، و"فوزه" لا يعني أنه جيد فعلا.

  5. يبذل بعض الطلاب جهدا وقد يحققون نتائج جيدة لكن لا يتم الاعتراف بها لأن هناك نتائج أفضل، ما يسبب لهم الإحباط ويفقدهم الرغبة في العمل.

  6. المنافسة تزرع فكرة أن لا فرصة إلا لشخص واحد، ويجب على المتنافس أن يفعل كل ما بوسعه ليحصل على الفرصة، ما يعني ضمنيا أنه يعمل لحرمان الآخرين منها.

الاتجاه البديل لدي هو تصميم الخبرة التعليمية بشكل يعرّف الإنجاز على أنه تحقيق الهدف من النشاط التعليمي أو الترفيهي، وعليه فإن كل من يحقق المطلوب يعتبر ناجحا ومستحقًا للمكافأة. التعلم التعاوني بديل آخر ممتاز وفعال للأنشطة التنافسية. مساعدة الطلاب لبعضهم البعض لاكتساب الخبرة تجعلهم نشطين بشكل إيجابي وتزيد احتمال تحقيقهم جميعا للهدف المطلوب.