متى يغادر طلاب الصعوبات الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية ؟!!!!

قد يتعجب البعض من هذا العنوان ، ويتسرب إلى نفسه الشك في خطأ ما سبق به القلم ما خطته يد صاحبه أو دار في خاطره ، وقد يصنع في أذهان البعض الآخر علامات استفهام وتشوق إلى معرفة المغزى من وراءه .

والحقيقة أنني لم أخطأ في كتابته ، وإنما عبرت به عن هم أقض مضجعي ، وأرق فكري طويلا طويلا ، وفكرت مليا في كيفية طرحه وصياغته ، إلى أن أفاض الله علي بقطر من فيض جوده لأطرحه في صورة هذا التساؤل المحير العجيب !!!!

وقبل أن أدلف إلى ما أريده ، وأعرض بضاعتي المزجاة بين أيديكم جميعا ، لا يسعني أبدا إلا أن أثمن كل الجهود التي يبذلها الكثير من الأخصائيين في مجال صعوبات التعلم ، سواء أكان ذلك بالشرح العملي أو التدريبات والأنشطة أو السلاسل العلمية ، وأن أرفع أكف الضراعة داعيا المولى العلي القدير أن يجزيهم عنا وعن كل أم وعن كل طفل خير الجزاء ، إلا إن ذلك لا يمنعنا أبدا من نقد الذات الذي يبني ولا يهدم ، والذي يجمل ولا يقبح والذي يحافظ ولا يهدر ، كما لا يمنعنا من التناصح فيما بيننا وبين بعضنا البعض صنيحة المحب الصادق الذي يؤمن يقينا بأن النقص صفة لازمة للعمل البشري ، وأن العطاءات والقدرات ليس حكرا على أحد ، بل في كل واحد منا ما يميزه وعلينا جميعا أن نتعلمه منه ، وبهذا التكامل نستطيع سد الخلل وعلاج العيب وتطوير الأداء واستثمار الملكات والمهارات لدينا جميعا .

ولذا فقد اخترت الصراحة الرقيقة والموعظة الحسنة سبيلا أطرق به طرقا خفيفا على أبواب العقول ونوافذها ، هامسا في آذانها بما في جعبتي ومخاطبا لها بحجج العقل والمنطق .

لقد تأملت وتمهلت طويلا .... تأملت كل النتاج الذي يقدم في مجال صعوبات التعلم على كل وسائل التواصل تقريبا ، تأملته بعقلية المتعلم - يعلم الله - المثني بالخير ، لا بعقلية من يغوص ليظفر بعيب أو نقص لينشره في الآفاق ، كما تأملته بعين المعلم الذي قد تكون لديه من الخبرة والمعرفة قدر لا بأس به ، يمكنه من الرؤية العميقة ولو قليلا لما يطرح من عمل وما يقدم من جهد فيرى جواهره ولآلئه ، كما يرى بعضا من شوائبه .....

ولما وجدت الغالبية العظمى من إخواني و أخواتي تركز بشكل شبه كامل على مرحلة ما قبل المدرسة ومهاراتها المتطلبة ومرحلة الصفوف الابتدائية الأولى تركيزا كبيرا للغاية فيستغرقها ذلك تماما ويأخذها بعيدا عن الصفوف المتقدمة .

ولما وجدت أيضا تيارا جارفا من الاهتمام بالجانب النمائي وأنشطته وتدريباته -وهو مهم بلا أدنى شك - دون أن يصاحبه تيار موازي كما وكيفا بالجانب الأكاديمي وبخاصة المتعلق بالصفوف العليا في المراحل الدراسية الثلاث .

ولما وجدت نوعا من الانفصال في الربط بين الجانب الأكاديمي وما تسبب فيه نمائيا ( بمعنى العمل المتاخل عليهما معا أثناء الدروس والجلسات ، كما سأبين لاحقا )

ولما وجدت أن الاهتمام منصب على ( أن الطفل يتعلم ليقرأ ... لا يقرأ ليتعلم .. وأعني هنا بالطبع الفهم القرائي ، الذي يقف على أبوابنا يتسول الإحسان

ولما وجدت قضية التعليم العلاجي لطلاب الصعوبات بما تنطوي عليه من كنوز ودرر ، لا تنال حظها الأوفى من الرعاية والاهتمام .

ولما وجدت مسألة أسس بناء اختبارات التشخيص الأكاديمي وكيفية تطبيقها ، وتصحيحها وكتابة تقاريرها ، كالجسد النحيل المهزول ...

ولما وجدت الخطط التعليمية وكتابتها ، وكيفية تحويل نتاج اختبار التشخيص الأكاديمي إلى أهداف خاصة داخلها ، وكيفية تضمينها أهداف المنهج مع بعض من التعديل لتحقيق المواءمة مع متطلبات هذه الفئة ، وما المقصود بالخطة العلاجية ولم يتم وضعها ؟ وهل هي بديلة عن الخطة التعليمية أم هي نفسها ؟ لا يكاد يؤتى لها على ذكر .

ولما وجدت الاهتمام بموضوع الخروج عن النمط المعتاد والمألوف في تدريس هذه الفئة ، وخلع عباءة الوقار بل إن شئت الجمود أحيانا ، وكأننا نحن الكبار لو نزلنا لهؤلاء الأولاد ولا أعني هنا الصغار فقط ، إنما أعني الكبار والصغار ، فالكبار أيضا يسيرون في نفس الطريق ، طريق تقديم المعلومات بأساليب وطرق واستراتيجيات علاجية مبتكرة ، تستخدم كل السبل التي يحبذها الجانب الأيمن من المخ ( جانبهم المهيمن المفضل في المعالجة ) لتنشيط الجانب الأيسر والعبور إليه ,, وجدته قد ظلم ظلما بينا بين جنبات الطاولة ( الترابيزة ) والكرسيين ، والغرف المغلقة .

ولما وجدت بعضا من التغاضي عن قضية إعداد الكوادر المطلوبة من معلمي صعوبات التعلم ، وتدريبهم التدريب اللازم وتزويدهم بالعلوم والمعارف والمهارات العملية التي تنقصهم وتوفير بعضهم داخل المراكز الخاصة للعمل مع طلاب الصعوبات ممن هم في المرحلتين المتوسطة ( الإعدادية ) والثانوية وربما أيضا نهاية المرحلة الابتدائية ( الصفين الخامس والسادس )

لما وجدت ذلك وغيره ... تمهلت .. نعم تمهلت كثيرا ... بل كان التمهل قرين التردد الذي هو أقرب إلى العزوف عن الفكرة وطرحها جانبا ... ولم ؟ ... لأنني أحب إخواني في المجال حبا جما في الله ، وأكن لهم كل تقدير واحترام ، وأعلم تمام العلم مقدار ما يبذلونه من جهد ووقت وعرق وخبرات لكي يسطروا ما يسطروا ، أو يشرحوا أو يعرضوا أفكارا أوأنشطة أوتدريبات أو سلاسل إلخ إلخ ... وأخشى أن يُفهم كلامي خطأ أو أن يمس شعور أحد منهم فيظن أنني أقدح فيهم أو أنال منهم أو أتهكم عليهم ...... وما ذاك بقصدي أبدا أبدا ولا بدأبي ولا بخلقي ...والحمد لله تعالى أن الجميع يعلم ذلك عني بفضل الله .... وفي نهاية الأمر حطت بي راحلة التمهل والتردد تلك على أعتاب قول ( الشافعي ) حين اختلف مع أستاذه ( مالك ) في بعض المسائل ( أحب مالكا ولن حبي للحق أكبر ) .... فيا إخوتاه أنتم زملائي وأستاذتي وأنا أحبكم ولكن حبي للحق أكبر )

ولذا فتقبلوا مني هذه اللفتات وضعوها نصب أعينكم وأولوها حقها من الاهتمام والتقدير ، والبحث والدراسة ، والطرح والعرض ، والإبداع والتطوير ... تقبلوها من أخيكم الأكبر ومحبكم في الله وسامحوني إن رأيتم مني تقصيرا أو زللا أو بعضا من الشدة فوالله ما هي إلا شدة الأب الحاني والأخ المشفق حين يلزمه ذلك

ودعونا نخرج بطلاب صعوبات التعلم من الصفوف الأولى للمرحلة الابتدائية ونمضي بهم قدما نحو بقية مراحل التعليم فهم عطشى يستغيثون بنا ، أن أفيضوا علينا بعضا من ماء العلم عندكم ، ولا تتركونا نسير في هاجرة التعليم القاحلة وحدنا فنحن لسنا مشكلة ولكننا نعاني من مشكلة ، وليس لنا إلا الله ثم أنتم ...... أنتم أطباؤنا وأسباب علاجنا

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

د.وائل عبد العزيز