هل "المونتيسوري" منهج تعليمي أم "أسلوب حياة" ؟

ربما هي ليست المرة الأولى التي سمعتم أو قرأتم أو وصلت إليكم بطريقة ما كلمة "مونتيسوري " MONTESSORI"

من المرجح أن هذه الكلمة سترد معكم كثيراً إلى جانب مايسمى " التعليم المنزلي " أو "التعليم المرن" أو " التعلم عن طريق العب "

و من المرجح أكثر أن كلمة "مونتيسوري " كنظام تعليمي ستلمحها عيناكم عند مروركم أمام لافتة لحضانة أطفال!

أمام كثرة الموارد والأساليب التعليمية حولنا ، وأمام أحلامنا وهواجسنا مع أول مولود لنا ، وأمام همومنا وكوابيسنا حول التربية الإيجابية وأفضل الطرق المتبعة ، و ربما كان الأشد قسوة على نفوسنا هي تلك الصورة للطفل القابع بداخل كل واحد منا (ما يسمى بطفلنا الداخلي) ، فإننا نجد أنفسنا في دوامة تساؤلات وأسئلة لا طاقة لنا بها وليس ثمة إجابة شافية !

حسناً ، فلنأخذ نفساً عميقاً ولنشبع فضولنا المتزايد وخاصة في الآونة الأخيرة حيث بدأ اتجاه جديد يظهر لدى الآباء جعلهم يتبنون فكرة "التعليم المنزلي " لأبنائهم بدلاً من الدراسة التقليدية في الذهاب إلى المدرسة ولنتعرف سريعاً على فلسفة المونتيسوري و أهم المصطلحات المرتكزة عليها و إلى من تعود ؟ و هل هي حقاً مجرد منهج تعليمي أم أنها ترقى لتكون أسلوب حياة !

لماذا الآن ؟

منذ أكثر من مئة عام بدأت مدارس المونتيسوري بالانتشار في العالم.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه "لماذا بدأنا نسمع عن المونتيسوري مؤخراً )في عالمنا العربي على وجه التحديد) رغم انتشاره في الغرب منذ أكثر من قرن من الزمن ! وهل لنظام تعليمي قديم أن يصنع ثورة في الفكر التربوي حديثاً ؟ ما السر إذا ؟

عندما يختار الأمير وليام دوق كامبيردج لابنه الأمير جورج (سنتين من العمر) أن يتلقى أولى سنوات تعليمه في مدرسة ويستاكر مونتيسوري فإن ذلك مؤشراً واضحاً على كون المونتيسوري لايزال اختيار الأمراء و المشاهير على الرغم من عدم اقتصار المونتيسوري على أولاد الطبقة العليا أو الأثرياء !

(اقرأ الخبر )

السر يكمن إذا في فلسفة المونتيسوري ذاتها و إثباتها عاماً بعد عام صلاحيتها لمرحلة التعليم المبكر (خاصة) في صنع أطفال منظمين مستقلين معتمدين على ذواتهم يمتلكون أدوات التفكير الحر ..

قد يوحي كلامي هذا للبعض أن المونتيسوري اكتشاف لم يسبق له مثيل وأن ماريا مونتيسوري قد أتت بمعجزة فريدة ووجدت الحل و الخلاص للمعضلة التربوية عبر العصور .. الحقيقة أن ماريا مونتيسوري (على الرغم من دورها الريادي) إلا أن ما فعلته هو صياغة نظرية متكاملة مغزاها هو العودة بالطفل إلى فطرته التي خلقه الله عليها وذلك بفضل شخصيتها و مسيرة حياتها التي تحمل ومضات مضيئة ومحطات ومنعطفات جمعت خلالها أمرين اثنين (الطب بعلم النفس) .

وبعد ﺍﻟﺘﻔﺤﺺ والملاحظة ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ التي أجرتها ماريا ﻟﻸﻃﻔـﺎﻝ في مختلف ﺍﻷﻋﻤـﺎﺭ و الحضارات ﻭﺇﺟـﺮﺍﺀ المطابقة بين ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘـﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴــﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮﻳــﺔ ﺣــﻮﻝ ﺍﻟﺘﻌﻠــﻴﻢ التي ﻛﺎنــﺖ ﺑﺎﻟﻨــﺴﺒﺔ لمونتيسوري غير ﻣﻼﺋﻤــﺔ.ﺑــﺪﺃﺕ ماريا ﺗﻜﺘــﺐ ﻋــﻦ أمانيها ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺑﺄﺳـﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﻌﻠـﻴﻢ ﻭﺍﻋﺘﻘـﺪﺕ ﺃﻥ ﺍﻷﻣـﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴـﺪ ﻟﻠﺠـﻨﺲ ﺍﻟﺒـﺸﺮﻱ هو ﺃﻥ تتغير ﻃﺮﻳﻘـﺔ ﺗﻌﻠـﻴﻢ ﺍﻷﻃﻔــﺎﻝ .

في كتابها العقل الماص أو العقل المستوعب ( ﺍﻟﻔــﺼﻞ ﺍﻷﻭﻝ ) ﺭﻛــﺰﺕ ماريا ﻋﻠــﻰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻄﻔــﻞ في ﺗﻨﻈــﻴﻢ و بناء ﺍلعالم ﻣــﻦ ﺟﺪﻳــﺪ , ﻭﻗــﺼﺪﺕ بهذا (ﺃﻥ ﺍﻟــﺸﻜﻞ ﺍﻟﻘــﺪﻳﻢ ﻟﻠﺘﻌﻠــﻴﻢ ﺍﻟــﺬﻱ ﻳﻌــﻮﺩ ﻣــﺮﺩﻩ ﻵﻟﻴــﺔ انتقال المعلومات ﻣــﻦ المدرس ﻟﻸﻃﻔﺎﻝ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻛﻠﻤﺎﺕ يحتاج إلى ﺇﻋﺎﺩﺓ نظر) وذلك من خلال مبدأين :

• أولاً : التعليم يبدأ منذ الولادة • ثانياً : : يجب ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻋﺪ التعليم في ﺗﻨﻤﻴﺔ ﻗﺪﺭﺍﺕ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ الموروثة ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﻭﺧﺼﻮﺻﺎ في ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ الأولى المبكرة ﻣﻦ ﺣﻴﺎﺗﻪ .

إذاً فالقصة بدأت من ماريا مونتيسوري .. فمن هي هذه السيدة والمربية الرائعة ؟

ﻣﺎﺭﻳﺎ مونتيسوري _ ﺍﻳﻄﺎﻟﻴﺎ 1870 - - 1952

(شاهد فيديو عن حياة ماريا مونتيسوري)

ﻭﻟﺪﺕ ﻣﺎﺭﻳﺎ ﻣﻮﻧﺘﻴﺴﻮﺭﻱ في ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﺑﺮﻭﻓﻨﺴﺎﻝ في ﻣﺪﻳﻨﺔ كيارافيلي في أناكونا في ﺇﻳﻄﺎﻟﻴـﺎ ﺑﺘـﺎﺭﻳﺦ 31/8/1870

بعد كفاح طويل عاشته ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭﻝ ﻃﺒﻴﺒﺔ ﺇﻳﻄﺎﻟﻴـﺔ ﻭ ﺃﻭﻝ ﻋﻤﻞ ﺷﻐﻠﺘﻪ ﻛﺎﻥ في ﻣﺼﺤﺔ ﻟﻸﻃﻔﺎﻝ المعوقين ﺩﺭﺳﺖ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺃﻋﻤﺎﻝ الفرنسيان ﺟﻮﻥ ﺇﻳﺜﺎﺭﺩ ﻭ ﺗﻠﻤﻴﺬﻩ ﺇﺩﻭﺍﺭﺩ ﺳﻴﻐﺎﻥ ﻭ هما ﻃﺒﻴﺒﺎﻥ ﻣﻌﺮﻭﻓﺎﻥ ﺑﻌﻤﻠﻬﻢ ﻣﻊ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ المتخلفين

١٨٩٧ ﺍﻟﺘﺤﻘﺖ ﻣﻮﻧﺘﻴﺴﻮﺭﻱ بجامعة ﺭﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﻟﺘﺪﺭﺱ ﻛﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ التي ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺋﺪﺓ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻭ ﺑﻌﺾ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ التي ﺃﺛﺮﺕ ﻋﻠﻴﻬﺎ أيضاً ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﻮﻥ ﺟـﺎﻙ روسو ، ﻓﺮﻭﺑﻞ و ﺑﺴﺘﺎﻟﻮﺯﻱ

وبهذا ﺷﻜﻠﺖ ﻧﻈﺮﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ في ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭ التي ﻋﺮﻓﺖ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ المونتيسوري وقد ﺍﺗﺴﻤﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ بأنها ﺗﺘﻤﺤﻮﺭ ﺣﻮﻝ مبدأ الحرية عند الطفل ﺣﻴﺚ ﻳﺴﻤﺢ ﻟﻪ ﺑﺄﻥ ﻳﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﻔﻮﻱ ﻭ ﺗﻠﻘﺎﺋﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ، ﻫﺬﻩﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﻛﺰ نظريتها وتطور ﻃﺮﻳﻘﺘـﻬﺎ إذ ﺻﻤﻤﺖ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺩﻗﻴﻖ ﻭ ﺣﺬﺭ ليلبي ﺍﺣﺘﻴﺎﺟـﺎﺕ ﺍﻟﻄﻔـﻞ ﻋﺎﻃﻔﻴـﺎﹰ و ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴـﺎﹰ، ﻋﻘﻠﻴﺎﹰ ﻭ ﺭﻭﺣﻴﺎﹰ و ﻓﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﹰ ﻭ ليس للمعلم دور سوى المسهل والميسر والموجه للعملية التعليمية التي تحدث ذاتياً داخل الطفل كما ترى مونتيسوري و تؤمن بأن التعلم فطري ذاتي ينبع من الداخل من خلال تفاعله مع بيئة منظمة مرتبة لا تتغيير ولا تتبدل وتتصف بالاستقرار و يتوفر فيها عناصر و أدوات مدروسة بعناية تنمي قدرات الطفل و تحثه على العمل .

أهم مبادئ مونتيسوري الأصيلة في نظريتها التعليمية :

  • التعلم ذاتي الدوافع لدى الطفل

  • الحرية والاستقلالية تدعم الدافعية الذاتية نحو التعلم

  • البالغ موجه للعملية التعليمية وليس ملقن

  • البيئة المنظمة محفزة للطفل على الاستكشاف وبالتالي على التعلم

  • البيئة والبالغ هما محورا العملية التعليمية

  • الخطأ وسيلة للتعلم

ولكن هل المونتيسوري فعلا مجرد تطبيق أدوات طورتها مونتيسوري أم أنها أبعد من هذا بكثير ؟؟

عندما درست المونتيسوري و طبقته ثم عملت به و أدخلت طفلي الوحيد مدرسة تتبع نظام المونتيسوري في التدريس في مرحلة رياض الأطفال و المرحلة الأولى أيقنت تماماً أن المونتيسوري ليس مجرد منهج تعليمي بل أسلوب حياة متكامل أثر بي بشكل أساسي وغير من طريقة تفكيري وشكّل لي عقلية جديدة و أكسبني مهارات و أدوات مكنتني من فهم طفلي بل فهمي لذاتي أولاً .

أستطيع القول أن المونتيسوري أسلوب حياة وليس مجرد منهج تعليمي فقط والحديث في هذا المجال .. يطول !

(استمع إلى المقال عبر الرابط