مقال منشور بمجلة الفاعل التربوي بعنوان : اخلاقيات مهنة التعليم

بقلم : الأستاذ محمد رضا الغيلوفي-تلميذ متفقد

تلازم التربية منذ أقدم العصور المجتمعات البشرية و تساهم في تقرير مصيرها و ما فتئت تساير إحداثها عاكسة ما فيها من تطور أو انحطاط، كان البيداغوجي فيما مضى يقود الطفل إلى المدرسة و يقرر مصيره و يتدبر أمره ، لكن مع مرور العهود تطورت مهنة التعليم و تعددت مقارباتها الفلسفية و العلمية فلم يعد من المهم فقط زيادة الذكاء و تنمية المهارات أو استثارة الدافعية في حقل التربية بل أيضا تقاسم القيم الأخلاقية و الأخذ بها في المواقف و الأزمات و الصراعات التي تحدث إبان الممارسة التلقائية الفطرية أو تلك الحرفة بل مفهومها و تصورا و مهنة يحتاج إلى دساتير و لوائح أخلاقية يحتكم إليها العاملون فيها. كانت الأخلاقيات الأساس المشترك لمختلف التيارات الفلسفية منذ الإغريق: لاخلاقيات المهنة ابعاد عديدة متعلقة بالذات والزملاء والاولياء والادارة والمجتمع و ترتبط بالهوية المهنية.و تنشأ عامة في كل المهن وفي رحمها والحرة خاصة منها. تقوم على مبدأ أخلاقي يجمع طرفين غير متماثلين مكانة وسلطة ومن ثمّ إمكانية الحيف. مدخل مفاهيمي: الأخلاق: هي ما يجب عليك أن تفعله أي أن تعرف ما التصرف الصحيح و ما التصرف الخطأ، و تعتبر ركيزة الأمم و موجه رئيسي للسلوك و تكرس القيم و المبادئ و تعد شرطا لسلامة و استقرار المجتمعات.

المهنة حسب (موريس كوكن) :

وظيفة يعتمد أداؤها على معلومات نظامية يحصلها الفرد من معهد أو كلية أو جامعة وعلى القابلية و المهارة الذاتية للفرد

. أخلاقيات: هو معيار لا رشاد السلوك لا لوصفة فعليا لان اغلب الناس تنتهك المعايير المتفق عليها، بحث فيها فلاسفة الأخلاق لنقد و تقييم المعايير الموضوعة، تختلف عن العادات و الأعراف و القوانين، نبرر به القوانين وننقدها، نوظف القانون لتقوية و عينا بها

أخلاقيات المهنة

هي تلك الواجبات المستوجبة على المهني ليجسدها داخل محيط البيئة المهنية و خارجه مع مختلف المكونات،لا تعتبر علما و لا مادة دراسية بل ثقافة ذات طبيعة سلوكية وجدانية مرتبطة بالقيم وهي في صميم التوجه الأخلاقي العام في حياة الشعوب. - في العمل على ضوء مجموعة من الضوابط و السلوكيات و المواقف المرتبطة بخصوصية التربية والتعليم ، تقتضي الوعي بالعلاقات،الاتجاهات و المعرفة بالذات. .

1- أدوار المعلم و مكانته الاجتماعية في السابق: كان المربي مرشدا و موجه و مؤطرا و اماما و عدل صلح و قاض محل تقدير واعتراف اجتماعي،امين القيم الاخلاقية و قدوة باشعاعه ،يربي النشء على اساس القلعدة الاخلاقية فهو جوهر المثل الاخلاقية ومنبعها و مصدر ملهم للقيم الانسانية

. 2- الواقع الاخلاقي في التربية المعاصرة: - 

إن التاريخ الطويل للتربية يشير الى ان واحد في المائة فقط من العاملين فيه انخرطوا في سلوكيات منافية للأخلاقيات مقابل ستة في المائة في مجالات أخرى كالطب و غيرها. - لكن هذا لا يمنع اليوم من توفر واقع يطرح استفهامات عديدة في ما يخص تكريس القيم والأخلاقيات ووضعها موضع تطبيق. - تراجع التوجه المثالي الأخلاقي العام وفرض المدينة الجديدة قيما جديدة مستدخلة وهجينة بفعل العولمة والانفجار المعلوماتي الذّي ألغى الحدود وفرض نسقا حضاريا عصف بالخصوصية الثقافية للشعوب والأمم فانتقل المدرس من التقدير إلى الحذر واللامبالاة والاحتقار الاجتماعي. - فتفشت في الأوساط التربوية اليوم ظواهر عديدة من استغلال للأطفال والاستثمار في جيوب أولياؤهم بدل الاستثمار في عقولهم وتحول ميدان التعليم إلى حقل امتصاص للبطالة المستفحلة دون انتقاء مدروس وهذا ما يظهر في اتجاهات المعلمين تجاه مهنة التعليم وهو ما يؤثر في ممارساتهم البيداغوجية ونتائج منظوريهم، فتعددت الاتهامات الموجهة للمعلم من أطراف عدّة بسبب الانتهاكات والانحرافات والفضائح التّي تقع من حين لآخر في الوسط المدرسي أبطالها مدرسون أوكلت لهم مهام أخلاقية أولا بإمرة من المجتمع القائم.

  • بحثيا شغل موضوع الاخلاقيات بالمفكرين طويلا دون ان يكون في مقدورهم حمل الجميع على تبني اخلاقيات ومبادئ والالتزام بها، لكن من المسلمات ان كل سلوك يبقى قابلا للاختبار ومحل استبصار دون تسليم مطلق او قبول نسبي فمن الملاحظ اليوم أنه نتيجة تغييرات اجتماعية وثقافية مست الأسرة خصوصا صرنا نواجه جيلا بأكمله لم تتأصل فيه الأخلاقيات وهو ما يعيد السؤال اليوم حول غايات التربية وحدودها وأي دور للمدرسة والمعلّم، مهنيا تعددت المهن والأدوار الإجتماعية ومنها الأدوار المهنية فتواجدت اعتبارات اجتماعية جديدة جعلت من المستوجب ايجاد معايير للسلوك يلتزم بها المربون فالمجال كثيرا ما يتحوّل إلى مجال تنافس غير نزيه وصراع للبحث عن الربح والمنفعة الشخصية لما يسود مناخ التوتر والنزاع وتزدهر الوشاية والمخاتلة والرياء والاستثمار في جيوب الأطفال،...

3- دواعي دراسة اخلاقيات مهنة التعليم وأهدافها: - تعزيز الممارسات الأخلاقية مما ينعكس على العلاقات في رحاب المدرسة وعلى مناخ العمل ككل. [اهتمت بها اليونسكو] - تكوين اتجاهات ايجابية تجاه المهنة لدى المدرس. - تبصير المدرس بأبعاد رسالته وبقواعد الانضباط الأخلاقي. - تدريبه على التعامل اللائق مع مكونات المجتمع المحلي بتنمية روح التواصل والتعاون والاحترام لديه. - تنظيم علاقاته الاجتماعية والادارية ودعم ارتباطه بالمؤسسة والحفاظ على سمعتها وتفعيل دورها. - اشاعة ثقافة احترام المواثيق في الوسط المدرسي من طرف جميع المكونات له. - تكوين منظومة قيم تحكم علاقات المدرس وتوجهها. - تحرير الذّات الفردية وابراز طاقاتها المهنية. - ترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية

  • أبعاد أخلاقيات مهنة التعليم: حسب ( 2000 campel) يرتبط المعلم بستّ أطراف: ذاته والتلميذ والمهنة والزملاء والأولياء والمجتمع تتصارع هذه الأطراف فيما بينها وبين المعلم وقد ينتصر لإحداها وقد يضطر لتطويع القاعدة الأخلاقية ولا يكسرها من أجل الحفاظ على التوازن ويضمن التعايش داخل الوضعية، ويعتبر الولي أشد الأطراف صراعا مع المعلم والمدرسة حول أولوية اتخاذ القرار وكيفية المساهمة في خدمة العملية التعليمية، لكن هل للمعلم الشجاعة الأخلاقية كي يواجه ويرشد دوما ما ينبغي أن يكون عليه الحال. تؤسس أخلاقيات المهنة لعلاقات ايجابية مع هذه الأطراف وتقننها وتجعل لها حدودا فتضبط المسؤوليات وترسم الخارطة التّي من المفروض أن يلتزم بها الفاعلون: - تجاه المتعلّم بإعداده وإرشاده وتشجيعه وعدم المساس من حرمته الجسدية والمعنوية وإكسابه كفايات. - تجاه الولي باحترام دوره وتزويده بالمعلومة وكسب وده وخلق إطار سلمي مفعم بالتواصل الإيجابي معه. - تجاه المهنة بالسعي للنمو المهني والتكوين المستمر وتطوير الكفايات. - تجاه المجتمع بالوعي بالأدوار المنوطة والالتزام بالسلوك المقبول والمحافظة على المكاسب. - تجاه الزملاء بالتحلي بروح ايجابية وصدق في التواصل والسعي وراء المحافظة على العلاقات. إشكاليات تطرحها أخلاقيات المهنة المسألة الأولى: ضرورة الاحتكام إلى الدستور أخلاقي يخرجنا من العفوية والفطرية. من الحرص اليوم أن نكون لائقين أخلاقيا مثلما نكون لائقين صحيا. لذا لا يمكن أن نبقى مستمرين في الاحتكام إلى ما هو سائد في المجتمع من قيم بشكل لا يشبع حاجاتنا إلى تجاوز النزاعات وتخطي المواقف مما يترك المجال لتجاوزات من قبيل الصواب والخطأ لأن ذلك يفسح المجال إلى الاجتهادات والتأويلات ثمّ إن كثيرا من المهن الجديدة وليدة العصر ولها من الخصوصية الكثير. المسألة الثانية: تتعدد المهن ونحتاج دوما إلى تأكيد خصوصية القيم والمبادئ أن تعدد الوظائف اليوم والمهن المستحدثة يجعلنا أمام اعتبارات أخلاقية خاصة مع الإقرار بوجود مجال مشترك وقيم خاصة في علاقة بطبيعة كل مهنة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك لائحة أخلاقيات مهن ككل ولائحة أخلاق عامة تشترك معها وتختلف. المسألة الثالثة: أخلاقيات المهنة بين النسبية والمطلق (بين الكونية والخصوصية) في حين يرى البعض بنسبية الأخلاقيات المهنية وبإمكانية تطويع القاعدة الأخلاقية دون كسرها بحكم أن القاعدة الأخلاقية نابعة من واقع الممارسة العملية ومن سياقات العمل اليومي فلا شيء صواب أو خطأ في حد ذاته الأخلاقيات ضامنة لوجود آليات وميكانيزمات فعالة تحقق للإنسان الاتساق الداخلي والانسجام فإن البعض الآخر يرى أن الأخلاقيات مطلقة لا تخضع للنقاش أو الجدل بحكم كونية القيم الأخلاقية. المسألة الرابعة: تجاوز مقولة الضمير المهني إلى تعديل وتغيير اتجاهات المعلم نحو مهنته لا يمكن استدماج أخلاقيات المهنة انطلاقا من الوعظ والإرشاد بل علينا التفكير في توفير اتجاهات ايجابية للمعلم تجاه مهنته بتغييرها أو تعديلها بالاشتغال على تمثلاته وتوقعاته لسلوك دوره المهني فالمعلم يعيش صراع الدور بين أن يستجيب لأناه الأعلى ويطبق املاءات المؤسسة التربوية التّي يربطه بها عقد قانوني أو أن يرضخ لنزوات وغرائز المتعلم فهو يعاني بالتالي من ازدواجية الأدوار في كل المواقف التعليمية مع أطفاله. من ناحية أخرى يرى "هانون" أن حب المهنة شرط ضروري لخلق الاستعداد وروح المسؤولية بينما يعتقد "دوترانس" أن حب المهنة أهم من وجود ضمير مهني، هذا ما يطرح اليوم في مباحث علم النفس الصناعي مسألة الاتجاه نحو المهنة ودوره الرئيسي في الالتزام بأخلاقيات المهنة، في الأثناء برزت مؤشرات متعلقة به كالرضا الوظيفي والانشراح في العمل والميل للمهنة والروح المعنوية. يرى "بيشوت" أن المعلم الذّي يحب تلاميذه ويندمج مع المجموعة ويحتاج التواصل معهم بشكل موجب يحتفظ باتجاه موجب تجاه المهنة كما أثبتت دراسات أن الاتجاه الايجابي تجاه المهنة يحدّد صورة المعلم عند المتعلّم ومؤثر في نجاحهم وتطورهم فالاتجاه الموجب يزيد من إتقان المهنة وينبئ بوجود مناخ اجتماعي في الصف مما يساعد على القيام بواجبه المهني سلوكيا ووجدانيا ومعرفيا. إن ممارسة مهنة تتطلب الرضا والرغبة واعتبار العمل يتطلب نموذجا وتوفر جوانب وجدانية وعاطفية تجاهه وتجاه العاملين فيه في إطار من التفاعل الايجابي عكس ما يمكن أن يفرزه المناخ السالب من عدوانية وتبريرية مرضية وانحراف سلوكي. إن الاتجاه نحو المهنة يحكمه الدوافع الأصلية وراء الالتحاق بالمهنة ويختلف هنا الدافع ويتنوع من معلّم لآخر فكثير ما يكون الدافع الاجتماعي المادي محددا للانتماء للمهنة التّي يراها البعض أن هذه المهنة لا تتطلب مهارات أو تقنيات خاصة وهي مهنة يسيرة في حين يرى البعض الآخر أنّه من الممكن الانتماء لها انطلاقا من منطلق إنساني إيثاري لأنّها تمنحه معنى لحياته لأنها مهنة إنسانية قبل كل شيء بينما يصنفها آخرون أنها امتداد للتربية الوالدية التّي تشبع الرغبات الفطرية عند الإنسان. إن للاتجاه نحو المهنة مكونات واتجاهات جزئية وأبعاد ومجالات: المكونات: الرضا بالعمل في حد ذاته: بعلاقاته، بسياساته (ناصف عبد الخالق). الاتجاهات الجزئية: نحو الذّات والمهنة والمتعلّم والجماعة ككل والواقع المدرسي والحياة عامة (ميا لاري). 

التحديّات تفرضها أخلاقيات المهنة

1- تحديد ميثاق أخلاقيات مهنية حسب الأدوار المهنية الموكولة أمام استحالة الانطواء تحت منظومة قيمية واحدة جامعة وشاملة. 2. تعدد القيم يبرز تعارضنا بينها ويجعل المواثيق الأخلاقية في حالة تناقض. 3. القاعدة الأخلاقية تنبع من الداخل ولا تفرض من الخارج ذلك ما يضمن ديمومتها وتطبيقها. 4. كيف تواجه الأخلاقيات المهنية تيار العولمة الذّي يعصف بالقيم والخصوصية والحدود الثقافية. 5. كيف نحمل المعلم على التّحلي بالمواصفات المهنية والتقيد بالأخلاقيات من اجل تطوير أدائه والرفع من مستوى منظوريه والابتعاد عن كل الشبهات التّي تمس من هويته المهنية. 6. الوعي أن المعرفة بما هو أخلاقي لا يكفي بل لا بد من توفر قوة داخلية وشجاعة وظروف مواتية للتطبيق الميداني للقاعدة الأخلاقية، ومن هنا من التأكد أن نصوغ نظرية أخلاقية تسهم في حل مواقف الصراع الفعلية. حلول مقترحة لتجاوز التحديات: 1. دمج الأطر الفلسفية والدراسات العلمية التجريبية لمزيد فهم أخلاقيات مهنة المعلّم اليوم. 2. الأخذ بسياسة التحديث المرن وإعداد المعلّم وتنميته مهنيا في ضل العولمة وهيمنة مجتمعات على أخرى ثقافيا وحضاريا والتحرّر الاقتصادي. 3. العمل على التّخلي على نماذج محافظة وتقليدية نحو أخرى أكثر تحرّر وقادرة على تغيير نظرة المعلّم لمهنته وعلى تعديله لاتجاهاته. 4. تحسين المكانة العلمية والاقتصادية للمعلّم حتى يضطلع بمهامه بصورة تحفظ هويته المهنية. 5. تهيئة مناخ يدعم الأخلاقيات في الوسط المدرسي ويرفع من كفايات المعلّم التواصلية والعلائقية والوجدانية. 6. ابتكار حلول وآليات تجعل من الأخلاقيات تأخذ طريقها للتطبيق الفعلي حتّى لا تبقى مجرد أبواق دعاية وشعارات. 7. الاشتغال على إرجاع قيمة الزمالة المهنية إلى وضعها الأخلاقي المرموق بتكثيف الأنشطة في الحياة المدرسية التّي تقرب المعلّمين من بعضهم وتدعم أواصر الإخاء بينهم. 8. التفكير في استغلال المعتقدات الدينية لبعدها الاجتماعي الثقافي في بناء مواثيق أخلاقية يشارك المعلّمون في صياغتها بأنفسهم. 9. إجبار المعلّم على أداء القسم المهني الأخلاقي قبل مباشرته مهنة التعليم. 10. التفكير في مفهوم جديد للتنمية المهنية قائمة على أطر ونماذج تكوين ووسائل جديدة تمكن من تعلّم مهارات وتنمية قدرات وطرق تدريس وتصوّر للأدوار. 11. توسيع مجالات التنمية المهنية لتشمل تعديل الاتجاهات والسلوكات وتطوير آليات هذه التنمية وآليات التطوير الذّاتي

. حدوده اخلاقيات المهنة

تتدخّل عديد المتغيرات: ايديولوجيا المعلّم / صيرته ماضيه المهني / قيمه الشخصية / التكوين / الكونية ................. لا القانون ولا الدّين تمكنت من تجاوز العقبات، تثار مسألة القناعات في الوسط المهني بعيدا عن التسلط والتسيير المفرط لذا حان الوقت ونحن على ابواب اصلاحات تربوية جديدة اعادة النظر للمسالة الاخلاقية المهنية من زاويا تاخذ باعتبار تعقد الظاهرة وتشبعها وتاخذ بالدراسات الحديثة في المجال حتى نرسي في الوسط المدرسي والمهني مناخات نقية تجعل المربي في وضعية عمل وتواصل ايجابية.