ما هى المهارات والصفات والمعارف التي نحتاجها لنعيش حياة كريمة وصحية وسعيدة ؟ وأي من هذه المعارف والمهارات يتم تزويدها وتغذيتها من خلال نظام المدرسة ؟ الجواب هو لا شيء .

الأمر متروك للوالدين والمرشدين والأقران وغيرها من التأثيرات الإجتماعية لملأ هذه الثغرات، ولكن نحن جميعاً نعرف أن هذا لا يحدث بشكل منتظم . فإذا كان المرشدون والمعلمون في حياة طفل يفتقرون المعرفة والمهارات اللازمة لرعاية أنفسهم بشكل صحيح ، فكيف يمكن أن نتوقع منهم رعاية آخرين ؟ هم لا يستطيعون. ولكسر هذه الدائرة، فنحن بحاجة إلى شبكة امان فعالة لتوفير المعرفة والمهارات التي يحتاجها أطفالنا للنمو إلى بالغين يقظين وناشطين ورائعين، لا إلى موظفين حسني التصرف في المنظومة.

نظام التعليم ليس موجهاً نحو تقديم ما هو أفضل لكل طفل. هو مصمم، في المقام الأول، لإنتاج مواطنين يساهمون في، ويستهلكون من، الإقتصاد العالمي المتشابك . إنه يشبه خط التجميع في مصنع؛ إنه يساعدنا على تحديد أي وظيفة من الوظائف المملة مناسبة حيث سنعمل من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً ، وبذلك فنحن قد كبرنا لنصبح بالغين مضغوطين وساخطين .

لقد تم تلقيننا من خلال المدرسة لنقبل النظام الإجتماعي والإقتصادي الذي وُلدنا فيه دون تمحيص، مهما كانت معنى ذلك حياة غير صحية للفرد وللمجتمع ككل . النموذج ببساطة يحاول تشكيل الأجيال الجديدة طبقاً للطرق القديمة، من دون الإعتراف بتفرد كل طفل - أو بأننا نقوم بنقلة نوعية ضخمة لحقبة جديدة من الوعي الإنساني .

ومع ذلك ، فنحن لا نسحق أطفالنا فقط في سجن المنظومة، وإنما يتم خداع أطفالنا بطرق عدة. هناك القليل من الإهتمام بالتعليم الحقيقي، كالمهارات الإبداعية والشخصية والوجدانية والإجتماعية وغيرها من المهارات الحياتية اللازمة لأطفالنا للبقاء والإزدهار في عالم خطر. على سبيل المثال، المهارات الوجدانية والإجتماعية هي طريق مختلف تماماً عن أن تكون لبقاً وأنيقاً وهي في غاية الأهمية لأطفالنا ليتعلموها في سن مبكر. لماذا إذن لا يكون التعليم الحقيقي في بؤرة إهتمامنا؟ هذا غير مبرر. بدلاً من ذلك يتلقي أطفالنا أدوية وعلاجات للأمراض النفسية بمعدلات تثير القلق، في الغالب لأن تصرفاتهم لا تناسب القالب الذي أجبرناهم فيه. وإضافة إلى هذه المشكلة فإن 40% من المدارس الأمريكية تخفض الأوقات الحُرة خلال اليوم الدراسي - الأوقات التي يحصل فيها الأطفال على فرصة أن يكونوا أطفالاً .

كل هذا يبدو أكثر جنوناً من أن يكون صحيحاً، ولكن هناك بعض المناطق والدول التي تفعل شيئاً حيال هذه الفوضى . على سبيل المثال، اتخذت دول مثل فنلندا مقاربة مختلفة لتعليم الأطفال، مثبتةً أن الأقل هو أكثر.

السياسيون ووكلاء المجتمع لم يأخذوا الامر على محمل الجد بعد . وبالنظر إلى ان مجتمعنا يتطور على كثير من المستويات، فنحن بحاجة إلى نظام تعليم يعكس هذه التغييرات. خاصةً مع الاتمتة التكنولوجية والتي سوف تقوم بإلغاء الكثير من الوظائف في المستقبل القريب .

(ويل ستانتون) هو كاتب وباحث وناشط ومعلم أسترالي شاب عمل في عدد من المدارس الإبتدائية من ضمنها مدرسة حكومية في العاصمة النيبالية كاتماندو، ألف كتاباً بعنوان (ثورة التعليم) يعرض التحديات وأوجه القصور في النظام الحالي بنظرة من الداخل، ويقترح نموذجاً جديداً من التعليم محاولاً تحرير الأطفال من التلقين وتغذية طاقاتهم الإبداعية .

هناك شيء ما خاطىء تماماً في نظامنا التعليمي. يقال للأطفال بماذا يفكرون عندما يتعين علينا أن نعلمهم كيف يفكرون . المدارس هي أماكن للتلقين بدلاً عن ان تكون أماكن للإلهام . الإبداع يتم قمعه بدلاً عن تنميته . النموذج بحاجة إلى أن يتغير إذا كان للبشرية أن تتطور، يقول ستانتون.

يناقش ستانتون في كتابه العملية التعليمية وهو يعتقد أن المُعلمين هم الرصيد الأفضل لدى النظام الحالي، لكنهم يتقاضون أجوراً منخفضة ومنهكون بالعمل ويواجهون بشكل عام نظاماً مقيداً يمنع إطلاق طاقات كل طفل، وكل معلم. ويناقش أيضاً تقليل الحكومات للإنفاق على التعليم والطرق التى يمكن بها تجاوز عائق التمويل- بالإنتقال لطرق إقتصادية وإجتماعية جديدة لإدارة المجتمع .

التعليم هو أكثر بكثير جداً من المواد التقليدية . هناك مهارات ومعارف لها قيمتها في النظام الحالي وينبغي تضمينها في طريقنا للمضي قدماً .لكن علينا أن نتقبل الواقع، نموذج التعليم لدينا لايضر فقط بصحة أطفالنا ورفاهيتهم، ولكنه أيضاً يعمل على إدامة نظام إجتماعي يقتل مستقبلنا الجماعي ومستقبل الحياة على كوكبنا . لا يمكننا الإستمرار في ترويض أطفالنا بالطرق القديمة والتي توقفت عن العمل بالفعل .

الكثير من الآباء والأمهات غير راضين عن النظام الحالي، ويتم ترجمة عدم الرضى من خلال زيادة التعليم المنزلي، وحتى التعليم اللامدرسي. هذا هو أحد الطُرق والذي تستطيع من خلاله أسرة منفردة كسر قبضة نظام تعليمي ساذج ومنتهي الصلاحية وتزويد أطفالهم بنوع التعليم الذي يحتاجونه فعلاً .

أطفالنا هم مستقبلنا؛ إنهم بحاجة لأن يتعلموا عن الحقائق السامة لمجتمعنا، أن يتعلموا لا أن يكرروا أو يتوافقوا مع الوضع الراهن، ليساهموا في خلق مجتمع الوعي الذي يستحقونه. بالإضافة إلى أن التحولات الفلسفية والإجتماعية ،والتي بدأنا في الإنتباه لها، تحتاج لأن تكون جزءً لا يتجزأ من عمق البنية التعليمية، كي يمكننا بشكل جماعي تجاوز الخلل في عالمنا، وخلق مستقبل مشرق لمجتمعنا العالمي ولبيئتنا الطبيعية على حد سواء .

ترجمة: فريق الترجمة بحركة زايتجايست