قدّم عالم الأحياء السويسري لويس أغاسيز عيّنة من سمكة أمام طالب يُشرف عليه

الطالب: هذه مجرّد سمكة.
أغاسيز: أعرف ذلك.

ثم أكمل: أكتب وصفًا حول ما ترى، انظر ما يمكن أن تفعله من دون أن تُضر بالعيّنة، وعندما أتيقن أنّك أكملت المطلوب، سأسلك عمّا لاحظت.

هذه القصّة يرويها تلميذ أغاسيز، الذي بدوره أصبح عالمًا مشهورًا وهو ناثانيل شالر.

عندما جلست أمامه، أتى اغاسيز بسمكة صغيرة ووضعها أمامي، كان مُصممًا أن أدرسها، لكن عليّ أن لا اسأل أحدًا عنها، ولا أقرأ عنها شيئًا حتّى يأذن لي بذلك. قلت له "ماذا يجب أن أفعل؟" فأجابني بتصميم "انظر ما يمكن أن تفعله من دون أن تضرّ بالعينة، وعندما أتيقن أنّك أكملت المطلوب، سأسلك عمّا لاحظت. وعلى مدار ساعة من الملاحظة، ظننتُ أنّي ألممت بهذه السمكة، لم تكن عيّنة حرية بالدراسة، مليئة برائحة كحول قديم، لكنّه كلما مرّ الوقت، انغمست في الملاحظة أكثر، وقدّمت ملخصًا لما رأيته في هذه السمكة، كنت حريصًا على تقديم الملخّص للمشرف علي، لكنّه لم يأتِ ذلك اليوم، ولا الذي بعده، ولا حتّى بعد أسبوع.

بعد عدم قدوم الأستاذ، عرف الطالب اللعبة، كان أغاسيز يُريد منه أن يتفحّص السمكة بعمق أكثر.

بعد ما يقارب مئة ساعة من الدراسة، رأى الطالب تفاصيل دقيقة غربت عن ناظره في المرّة السابقة، لاحظ قياسات دقيقة، وتنبّه إلى انماط في تصميم السمكة، تناسقها وحتّى اصطفاف الأسنان، وعندما عاد الأستاذ بعد أسبوع، قصّ عليه الطالب ما لاحظه، فأجابه أغاسيز ببرود وهو يدخن سيجارًا "هذا ليس صحيحًا" ثم رحل عن الغرفة.

كان الطالب مُحبطًا بعد هذا الردّ، لكنّه علم انّ أغاسيز يُريد اختبار صبره، فتخلّص من الملاحظات السابقة، وبدأ العمل من جديد.

بعد أسبوع من العمل، في كلّ يوم درست السمكة لـ10 ساعات، حصلت على نتائج أبهرتني وأرضت أغاسيز، لكنّه لم يُعطني حتّى ذلك الحين كلمات ثناء طويلة، وسرعان ما أعطاني عيّنة أخرى من عظام 20 سمكة

مرّ الطالب المسكين بنفس الحال، درس العظام لمدّة شهرين ونصف، وإذا باغاسيز يُجيبه "هذا ليس صحيحًا" مرّة أخرى، إلى أن بذل مجهودًا مضاعفًا وأرضاه في المحاولة التي تلتها.

بعد هذه المحاولات المُضنية، كتب التلميذ في سيرته الذاتية: "تعلّمت فنّ مقارنة الأشياء"

كان اغاسيز مشغوفًا بفكرة التعلّم عن طريق الملاحظة، كان شعاره "انظر وتفحّص بنفسك"

في أي مجال في الحياة، لا تجد الكثيرين يُطبّقون نصيحة أغاسيز، فلا أحد يقرأ دراسة علمية كاملة، وإنما يقتبس من خلاصتها، لا أحد من علماء الأحياء يضع 100 ساعة في دراسة تفاصيل سمكة، إنما يقرأ عنها في الكتب وبحوثات الانترنت.

لا أذكر من سطع نجمه، وشاعت سمعته، وهو لم يقم بهذه الأعمال المملّة، لا أذكر من كان خبيرًا في مجاله، وهو يحاول مضغ ما في الكتب فقط، انظر وتفحّص بنفسك، كما يقول أغاسيز!