وبعد محاولات مستميتة مع شبلي الصغير في تدريسه الفرق بين همزتي الوصل والقطع، عدت بذاكرتي سنوات للخلف.

من قبل أن يأتي طفلاي للدنيا وقد قررت مثل كل الأمهات أن أعلمهم أفضل تعليم.

وكان مصطلح أفضل تعليم في وجهة نظري هو إتقان الإنجليزية في المقام الأول، وما إن حاول أطفالي النطق حتى عكفت على تعليمهم النطق الصحيح للكلمات الإنجليزية.

فلم يكد يبلغ الطفل منهما ثلاث سنوات إلا وقد تكونت لديه حصيلة لغوية إنجليزية كبيرة، وكانا مضرب المثل في العائلة.

كنت سعيدة بذلك الإنجاز أيما سعادة وقررنا متابعة المشوار والتسجيل في مدرسة تدرس اللغات عوضًا عن المناهج العربية الحكومية، وقد كان.

ونظرًا لكثافة المناهج في مدرستهم اضطررت لتخصيص ثلاثة ايام في الأسبوع لحفظ القرءان بدلا من خمسة.

وكذلك كنت أعطي الأولوية في الدراسة لكافة المناهج ثم اللغة العربية في النهاية.

ليس لأني لا أحبها، لكن لإيماني بمستقبل الإنجليزية.

بدأ مستوى الطفلين في العربية يتراجع بسرعة، وذات مرة كنت أمازح طفلي الأكبر وأكلمه بالفصحى فلم يفهمني، لم أغير الجملة وبقيت أتكلم بالفصحى فبكى وصرخ قائلا: لا افهمك تكلمي معي بالعربي!!!

كانت القشة التي قصمت ظهر البعير بصراحة ثم قدر الله لي أن شاهدت مقطعًا، غير مسار حياتنا تلك الفترة.

كان المقطع يؤكد على ضرورة عدم تعريض الطفل للغة غير اللغة الأم في سنواته الأولى، وأن لهذا أثر على استيعابه وتحصيله.

وتكلمت الدكتورة عن دور الكتاتيب في تقوية الثروة اللغوية للطفل.

ولأن بداخلي ولاء منقطع النظير للعربية وعلومها وفنونها وآدابها كان لا بد أن أتوقف وأعيد حساباتي.

عرفت أن البائعين في الأقصر وأسوان لديهم لكنة تفوق من تعلم اللغة في دورات تدريبية قوية نتيجة الممارسة والتعامل مع السياح.

وعرفت أن اللغة مهارة يمكن جدا أن نكتسبها ما دمنا نريد ذلك.

ثم ها أنا ذا لم أدرس في مدارس اللغات ولغتي جيدة وأسعى لتطويرها.

نقلنا الأشبال لمدرسة تدرس المنهج العربي وحرص والدهما على تسجيلهما في دروس الخط العربي وعدنا للتحفيظ طوال الأسبوع مرة أخرى.

والآن يحبان جدا الاستماع لمقاطع ناشيونال جيغرافيك العربية كما نستمع معا لضادية ابن زيدون وأتناقش معهم في قصيدة مثلث قطرب، أنصحكم بسماعها بصراحة:

أما الإنجليزية فلم نهملها بالطبع، لكنني لن أعطيها الأولوية، ثم أنا أتحدى أن يشرح لهم مدرس اللغات بنفس الطريقة التي أشرح لهم بها مثلا كيف يفرقون بالسماع فقط بين بين كلمتي big و beg وقس على ذلك.

يجب التنبيه طبعا أنه لا يسرهم دراسة اللغة وعلومها ولن يرفرفوا من السعادة عند سماع مثلث قطرب، فهم أطفال في النهاية يريدون اللعب على أي حال.

ولكنهم يروني أهتم فينتبهون على ما أركز فيه.

بالطبع تسرني مشاركتكم ومناقشتكم في هذا الموضوع، هل توافقون على تعليم الطفل لغة غير لغته الأم في سن صغيرة؟