كنت ولازلت أحمد الله أن سخر لنا هذه الشركة العملاقة التي غيّرت كثيراً من المفاهيم في حياة النخبة المثقّفة ..

عندما تسمع أحدهم يقول ( قال الشيخ قوقل !! ) تعرف مدى اعتماد الناس بله النخبة المثقفة على هذه الشركة حتى في أمور دينهم !

حتى من الناحية التقنية فاجأتنا قوقل بما لم يكن في الحسبان .

أذكر كيف كنا نعاني من البحث مع محركات البحث المشهورة في ذلك الوقت كياهوو وغيرها حتى أطلّت علينا قوقل في بادِئ الأمر كمحرك بحث .. فغيرت مفهوم البحث بابتكار خوارزمية معقدّة تدخل في أعماق بحار المعرفة كي تستل لك المعلومة التي لم تكن في الحسبان .. حتى أصبحت قوقل في ذلك الوقت حديث المجالس .

الآن أصبحت قوقل منظومة متكاملة من الابتكارات الخارقة التي غيّرت كثيراً من المفاهيم في عالم التقنية السحابية، نلِج في هذا العالم بإنشاء بريد إلكتروني ثم نبحر بعد ذلك في أعماق هذا العالم العجيب !

كثيراً ما أسمع أصدقائي يقولون - عند الاتصال بهم - عفواً لم يظهر اسمك عندي لأني فقدت قائمة الاتصال في ( جوالي ) ! .

فأرد ضاحكاً .. قد كان ذلك يحدث معي قديماً لكن الآن مع قوقل أصبح مثاراً للسخرية أن تقول فقدت قائمة الاتصال لدي .

قوقل غيّرت كثيراً من المفاهيم، فمثلا تستطيع الآن مع قوقل أن تلِج أبواباً كان من المستحيل على كثير من الناس أن يلجوها !

الآن مع قوقل تستطيع أن تبني لك موقعاً ( web site ) دون الحاجة إلى سيرفر أو دومين بل أنك لن تحتاج أن تتعامل مع برامج التصميم أو كتابة المحتوى والتي لا يتقنها إلا المحترفون .

قوقل غيّرت أيضاً مفهوم المشاركة الجماعية فبدل أن نلحق مستنداتنا عبر البريد حتى نشاركها مع الآخرين أصبحنا نلحق البريد بمستنداتنا !

حتى المحادثة عبر الشبكة العنكبوتيّة ( الشات ) طالتها موجة التغيير فمع قوقل مضى زمان (ممكن نتعرف !) التي نجدها في برامج الشات المعتادة .

فقد وفرت قوقل للمتحدثين بيئة علميّة متكاملة وكأنها تقول للمثقفين مكانكم هنا ! .

حتى إن قوقل ابتكرت طريقة ( ديمقراطية ) في إدارة المجموعة بحيث أن أي شخص يضايقك في القاعة يمكنك حجبه وفي نفس الوقت تكون محجوباً عنده وإذا اجتمعت أكثر الأصوات على حجب شخص، يتم طرده من القاعة، خلافاً لما يحدث في برامج الشات الأخرى .

قوقل غيّرت أيضاً مفهوم التعامل مع البرمجيات ولغات البرمجة القديمة ..

أحد أصدقائي كان مبرمجاً عبقرياً بدأ البرمجة قبل نصف قرن ثم توقف قديماً .. قلت له لماذا لا تستأنف، قال لي الآن البرامج أصبحت تفاعلية ولغات البرمجة القديمة التي اعتدنا عليها لا تفي بهذا الغرض .

قلت له هل سمعت عن ( قوقل ) .. وقال وهل يوجد أحد لا يعرف قوقل .. قلت له : مع قوقل ستصبح برامجك القديمة تفاعلية ! .

قوقل كل يوم تفاجئنا بابتكار جديد …

خرائط قوقل غيرت مفهوم المكان والوصول إليه .. بعد أن كنت أعاني مع أصدقاء الرحلات أشد المعاناة من تنزيل الخرائط على تطبيقات ذلك الوقت، أفاجأ بأن قوقل هي من وضعت رقم منزلي أو ما يسمى بالعنوان الوطني !

لاتزال قوقل تضيف وتحذف كثيراً من التطبيقات للوصول إلى قمة الهرم حتى أصدرت الحكومة الأمريكية قراراً بتقسيم قوقل الأخطبوط، الذي بدأ يتضخم ويلتهم كل من حوله .

مشاريع جبارة ابتكرتها قوقل، السحابيّة بمفهومها الواسع الذي تفردت به قوقل، العالم الافتراضي، العالم المعزز، أنظمة التشغيل المنافسة لمايكروسوفت وأبل، تحليل المحتوى واستديو البيانات لدعم التجارة الإلكترونية، عالم الاتصالات وتوجه قوقل للاستحواذ عليه، سيارة قوقل، نظارة قوقل، وقريباً .. بيت قوقل، وزوجة قوقل .. أقولها مازحاً، لكن ليس ذلك غريباً على قوقل ! .

حتى جسمك وعضلاتك أصبحا محل اهتمام قوقل !

الآن تستطيع أن تنشيء قناتك الخاصة، وتبث مباشرة على الهواء منافساً أكبر القنوات كالجزيرة وغيرها، دون أن تدفع ريالاً واحداً .

لمحبي السياحة والتجوال .. الآن تستطيع أن تتجول على قدميك وتشاهد معالم وجهتك المفضلة في الوقت الحقيقي وبالتفصيل وفي دائرة قطرها 360 ْ دون أن تغادر بيتك ! .

بل ابتكرت قوقل مفهوما جديداً للعالم الإفتراضي بحيث يستغني المعلم عن نقل طلابه في رحلة علمية ! .

قوقل غيرت كثيراً من المفاهيم، وهذا الموضوع يحتاج إلى حلقات بل إلى مجلدات حتى نوّفيه حقه، ولكننا لا زلنا نعاني من جهل كثير من الناس بإمكانيّات قوقل .. قد يعد بعض الناس هذا المقال دعاية لقوقل .. لكن أقول، رغم أن قوقل ليست في حاجة إلى دعاية، إلا أنها أعطتنا الكثير والكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله .

مقال بمدونة الجزيرة كتبه : د. سعود السعدي 0556300715