أريد ان انتحر... نعم ولكن ليس مثل هؤلاء، ليس كمن غالبته همومه وضاقت به الدنيا وقرر ان عليه فقط الرحيل والاستسلام ليرتاح وترتاح نفسه المتعبة. بعيداً عن الأديان وكون هذا الامر حلالاً او حراماً لا يهمني، ولكن انا كإنسان هذا الامر عقلياً غير مقبول. أن تُزهق روحك لمجرد أن الدنيا ضاقت بك. هذا ليس حلاً لمشكلتك. أنت تُضيع على نفسك سنوات من المجهول. وما أدراك ما هو المجهول. أما انا فانتحاري ليس لهموم الدنيا ولا لغيرها، أريد أن انتحر لأني مللت، نعم مللت.

كل يوم أراه مثل سابقه، لا جديد.... ربما تشتاق روحي إلي ذلك المكان البعيد في السماء، ذلك المكان الذي سأذهب اليه عاجلاً أم اجلاً ولكنى مللت الانتظار. لست مستعداً بعد للذهاب.... اعلم ذلك، ولكن انا لم أكن مستعدا لأي شيء في حياتي، لم أختر أن أري ذلك النور المضيء ليحرق عيناي لأول مرة في حياتي عندما ولدت. لم أكن مستعدا لأتنفس ذلك الهواء الملوث في رئتي، لم أكن مسعدا لسماع ذلك الصوت المزعج لأشياء لم أفهما وقتها وعرفت بعدها أنها أتفه ما يكون، لم أكن مستعدا لأي شيء، فلماذا أستعد الأن، لطالما كان الحظ بجانبي وروح المغامرة في دمي.

سنين طويله أحاول أن ابني ذلك العالم الذي أعيش فيه، عالم أضع انا قوانينه، عالم أكون انا سيده، لا بل أكون انا إلهه. لما لا. فلقد مللت من إنسانيتي عديمة الفائدة، كل يوم يُقتل الالاف وتشرد الملايين فقط لحمق هذا الانسان وتخلفه، لا اعيب عليه، فلو فعل غير ذلك لأصبح ملاكاً.

مللت من رؤية تلك الشمس الصفراء تشرق من مكانها المعتاد، أريد ان أعيش في عالم تشرق فيه شمسان أو ثلاثة وتكون بألوان مختلفة، ومللت من منظر تلك السُحب البيضاء العابرة ليلًا، مللت من الضوء الأبيض أريده قرمزي. نعم، فلماذا أعيش سنوات عمري في جمود، أستيقظ كل صباح لأجد ما اعتدت عليه، أين متعتي في ذلك.... اريد ان انتحر لأذهب لذلك العالم الجديد، اريد ان أشعر بمشاعر وأحاسيس جديدة لم أشعر بها من قبل، حتى وإن كانت سيئة حتى وإن كانت غاية في السوء.... المهم أني لم أشعر بها من قبل، ربما أحبها، أتذكر أول مرة لامست ذلك الشيء غير المرئي، لامست الكهرباء، الكل يقول إنه شعور سيء لكني أحببته، أحببت ذلك الشعور الذي تستيقظ فيه خلايا الحس في جسدك لتتألم، ذلك الشعور كان يجعلني أفيق من غيبوبة الملل في تلك الحياة الكئيبة. أما الأن فأصبحت أخافها، لأني أعلم أنها لن تؤثر في، لن توقظني من غيبوبتي تلك مرة ثانية.... فذلك الشعور لم يعد يُجدي.

أتذكر سعادتي أيضاً حين لامست أنفي قطرات المطر لأول مرة، كان شعور غاية في الروعة، روعة اقشعر لها جسدي ونادرا ما يفعل، تشعر بتلك القطرة الموجودة في الأرض منذ نشأتها وهي تسقط على أنفك ببطيء وخفة وكأنك تستلقي على سرير من الهواء. أتذكر أيضا حنقي على المطر بعد أن تلذذت به إلى أن اكتفيت.

أريد أن أعيش في ذلك العالم الذي لا أمل فيه، أعلم أين هو ولكن لا أدرى متي سأذهب، رحلة من غير ميعاد مُسبّق.

أريد أن انتحر لا حباً في الموت، ولا كرها في الحياة، بل لأني مللت، أظن أن الملل من الحياة لا يقارن بملل من اللعب مثلاً او ملل من الأكل والشراب. أستيقظ لا لأعيش يوما جديدا كما يقولون، لا. أستقيظ لأرى نفس الأفعال ونفس كل شيء حولي رأيته وحفظته من قبل، ولكن بوجوه جديدة، وجوه لطالما كانت متشابهة. أهذا هو اليوم الجديد؟

بالرغم من أني أريد أن انتحر ولكن أخاف الانتحار، بل بمعي أوضح أخاف الألم. فتلك الطرق المملة في الانتحار كالقفز من مكان شاهق، او الغرق او الدهس وما إلى ذلك. كل هذا أصبح جزء من الحياة المملة التي أريد أن أغادرها، أريد أن أخذ نفساً عميقاً تمتلي به رئتي يكون هو الأخير، أريد أن تُغمض عيناي على مشهد ذلك الجبل المغطى بالثلوج وسرب من الطيور يحلق بعيدا، أن يكون أخر صوت أسمعه تلك الموسيقي التي طالما أحببتها وسمعتها إلى أن صارت تتردد في وجداني، اريد أن يكون وداعاً للحياة لا هرباً منها، أن يكون بدون ألم فأنا غادرتها مختاراً ولست مكرهاً، فلي الحق أن أغادر في راحة وأن يسكن قلبي في سلام.

أصعب شيء يؤلمني، هو ذلك الألم الذي لا أدري هل سأتغلب عليه أم سيظل ملازماً لروحي المُحلقة بعد أن ارحل، هو مغادرة تلك الأرض التي طالما نشأت فيها، طالما لامس خدي ترابها بقصد او بغير قصد، الأرض التي طالما كانت هي صديقي الوفي، ولكني مضطر، فما على وجهها أصبحوا مملين، أصبحوا نسخ متعددة بأوجهه مختلفة. وانا لا أطيق الملل.

لم أجد بعد تلك الطريقة التي تحقق ما تمنيت، ولكني سأفعل وأنا واثق، فكما يقولون "الحاجة أم الاختراع" لذلك سأجدها، وسترحل نفسي في سلام.

في النهاية أنا لم أكتب ذلك الكلام لتقرأوه كقصة قصيرة، كتبته لهؤلاء الذين أحدثهم ولا تصل كلماتي إلى قلوبهم، إلى هؤلاء الذين لا يفهمون ما أقول؟، فربما وقع الكلمات أقوي من الحديث.