بسم الله مُبْدِئ الأكوانِ وواضع الميزان وجاعل الذين ذهلوا عن دين الصواب في هوانٍ، والصلاة والسلام الأكملان على مَن الثقلان فيه يمدحان محمد سيد الأنام، والسلام على صواحبِ سبل العُلا ومجتنبي طرق الردى؛ وبعد

ف(الحصافة) مسلسل مقالات عن مواضيع شتى غايتها بيان الحق ومحق الباطل، وهي ليس من كتابتي إنما منقولة عن صفحات من فيسبوك وستجد رابط الصفحة أسفلا والمقال إن أمكن،

والمقالات مركزة غير خفيفة وكذلك العلمُ إن كنتَ طالبَه.

تنويه: المقال لا يتخذ اللبرالية معيارًا ومقياسًا للحُكم على الأمور البَتَّة.

يبدأ المقال

أليس من الغريب أن نرى نتائج مواقف أكثر السياسيين ورجال الأعمال الذين شجعوا ودافعوا عن الليبرالية الاجتماعية في كل زاوية إلا في أسرهم. لا نجد في عائلة جاستن ترودو رئيس وزراء كندا أو عائلة توني بلير أو زوكربيرغ أو روكفيلر أو بيل غايتس أي متحول جنسياً أو وشم أو شعر أزرق أو شعر إبط زهري أو حتى قرط في أنف، كلها عائلات على نمط تقليدي ومحافظ بالمعايير الغربية، الأب هو رب الأسرة، البنت بنت والصبي صبي، والأم لا يبدو عليها أي اهتمام بإثبات شيء من خلال العمل، كل ما عليها القيام به مثل أي زوجة برجوازية "صالحة" هو أداء دورين، دور العمل الخيري، (ماذا تعملين؟ Philanthropist). ودور المرأة التي تقف خلف الرجل عظيم.

هل يعقل أن بيل غايتس أغنى رجل في العالم ورئيس وزراء كندا، يخشيان المرأة القوية المستقلة أكثر من عباس الميكانيكي؟

لا يقتصر الأمر على الغرب، لو نعود للدول العربية سنجد بأن أكثر من شجع على الليبرالية الاجتماعية سياسياً وإعلامياً في السنوات الأخيرة هم ولي عهد السعودية ونظيره الإمراتي وأمير قطر. الأول والثاني لا نعرف شكل زوجاتهم، وعندما سئل الأول عن أسرته رد بأنه لا يخلط الخاص بالعام. أما الثالث فعلينا أن نعترف بأنه عصري ومتحرر جداً ولهذا نعرف شكل "زوجاته الثلاث"، وإن كانت السيدة الوالدة تتجاوزهن من حيث الموضة بمراحل، على ما يبدو أن الوالد عصري أكثر بالمعايير الخليجية.

في الماضي؛ كانت توجد في أوروبا طبقة مسيطرة من النبلاء تستمد شرعيتها من الفروسية والحرب، يقابلها طبقة الرعية البعيدة عن الأولى اجتماعياً لكن تحاول أن تقلدها قيمياً، ثم جاءت الثورات التي بدأتها البرجوازية وأنهت الهرمية الاجتماعية التي فرضها النبلاء، لكن يبدو اليوم أن هناك طبقة مسيطرة ومعولمة جديدة تقوم على المال Plutocracy ولديها طبقتها السياسية، بدأت تعزل نفسها عن الأغلبية ثقافياً واجتماعياً ولا تجد حرجاً في تشجيع ثقافة ربما تعتبرها خاصة بالرعاع فقط بدون أن تسمح لها بالتأثير عليها.

تكملةً لمنشور 01/12 عن البلوتقراطية التي تشجع الليبرالية لكن لا نراها باديةً على أسرها التي ظلت ذات مظهر محافظ، سنتطرق إلى فئة أخرى لديها جرعة قد تعتبر زائدة حتى بالنسبة لمنطقتنا.

هذه الفئة هي بقايا الأرستقراطية في الدول المتقدمة التي يبقى منها سوى العائلة المالكة البروتستنتية التي لم تسقط أيٌ منها والأسرة الأمبراطورية في اليابان والعائلة المالكة الإسبانية وهي الناجية الوحيدة بين العائلات الكاثوليكية والأرثودكسية.

سنتحدث هنا بالتحديد عن بيت ويندسور، الأسرة الحاكمة في بريطانيا، هذه الأسرة التي قيل لنا طويلاً أنها موجودة فقط للزينة ثم تبين في أزمة البريكسيت الأخيرة أنها ليست جمالية فقط، إذا تمعنا في تقاليدها الأسرية فسنجدها جد رجعية بالنسبة للنظام الاجتماعي البريطانية، نذكر أهمها في شكل نقاط منفصلة.

  • كل زواج ملكي يحتاج لموافقة الملك منذ قانون الزيجات الملكية لسنة 1772 وإلا تسقط عن المعني ألقابه الملكية. على سبيل المثال لم تتمكن الأميرة مارغريت أخت الملكة الحالية من الزواج برجل اعتبرته الملكة ورئيسة الكنيسة الإنجيلية غير مناسب لها.

  • تحرص العائلة المالكة على أن يكون الزوج/الزوجة الذي يريد أحد أفراد الأسرة الارتباط به حاملاً لدم نبيل، كاثرين دوقة كامبريدج التي قيل في البداية عنها بأنها فتاة عادية من الشعب تبين بأن أسرتها ذات أصول أرستقراطية. حتى الخِلاسية ميغان ماركل، زوجة الأمير هاري المصنف سادس على سلم العرش بعد ابناء شقيقه ويليام، لديها دماء ملكية من جهة والدها.

  • لا ترضى الأسرة المالكة بارتباط أحد أفرادها بشخص غير إنجيلي، الأمير فيليب زوج الملكة مثلاً هو في الأصل أرثودكسي لكنه تحول إلى المذهب الإنجيلي، أخت الملكة جمعتها علاقة غرامية برجل كاثوليكي [رجل آخر غير السابق] لكن زواجها به ما كان ليتم، ميغان ماركل زوجة الأمير هاري تلقت تعليماً كاثوليكي، لكن قبل زواجها به كان يجب تعميدها في كنيسة إنجيلية أولاً.

  • من حيث السلوك الجنسي تبدو الأسرة تقليديةً جداً، فهي تتبنى تلك القاعدة القديمة الخاصة بالرجال التي تقول "لا خيانة تحت الحزام"، ولهذا لم تبدو الملكة الحالية منزعجة إلى حدٍ كبير من زوجها فيليب المعروف بأنه زير نساء مادام لا يعود في آخر اليوم "حامل".

أسرة ويندسور حريصة كما قلنا على نقاء دم أبناءها وخاصةً من سيجلسون على العرش منهم، ومنه تحرص على أن لا يعتلي العرش لقيط، من أجل هذا تختار لأبناءها زوجات قليلات أو منعدمات التجربة. في سنة 1981 مثلاً خرج عم الأميرة ديانا ليطمئن رعية جلالتها بأن جراح طب النساء الخاصة بالأسرة المالكة قد فحص الأميرة ديانا وأكد بأنها بكر ولم تفقد عذريتها.

لاحقاً سنة 2011 عندما اقترب موعد زواج الأمير ويليام من كاثرين ميدلتون حدثت ضجة حول مسألة هل يمكن أن يتم زواج ملكي لمن سيجلس على العرش يوماً ما بامرأة غير عذراء عاش معها سابقاً 8 سنوات بدون زواج. وحتى قبل ذلك ومنذ أن عُرف بأن الأمير ويليام يواعد كايت كانت تطرح مسألة هل كانت عذراء قبله ويجيب على ذلك مثلاً الصحفي كريستوفر أندرسن في كتابه William and Kate: A Royal Love Story بأن كايت كانت حسب المقربين منها فعلاً بكر ولم تحظى إلا ببعض العناق والقبل من قبل بعض من واعدتهم لفترات قصيرة.

وهنا نضيف معلومة لفهم أسس تقاليد أسرة مثل أسرة ويندسور... هذه الرغبة في نقاء السلالة قديمة جداً لدى أرستقراطيات أوروبا التي كانت تؤمن بـ Telegony وهي اعتقاد كان شائعاً بين الإغريق الذين لاحظوا حسبهم لدى البشر وحتى الأحصنة بأن الطفل يحمل بعض صفات زوج/عشيق أمه الأول، مع بداية القرن العشرين أصبحت هذه النظرية من الخرافات غير العلمية ثم عادت مؤخراً بعد دراسات أجريت على الذباب أثبتت بأن الأنثى تحمل ضمن جيناتها بصمة من تزاوجت معهم سابقاً ومنه يتم نقل صفاتهم لصغارها من ذكور أخرين، إلى أي مدى ينطبق هذا على البشر لا أحد يعلم.

إذن نحن أمام أسرة يمكن أن نقول بأنها تحكم زمناً هي خارجه تماماً ولا يؤثر عليها إلا بشكل ضيق ولا تهتم لكليشيهات هذا العصر من قبيل الحرية والاختيار المطلق للفرد أو الحب الذي ينزل كالصاعقة، هذا لا يعني بأن زيجاتها محسوبة مسبقاً تماماً، لكن كما رأينا فإن مجال الاختيار ضيق ويحكمه النسب والدين والسلوك الجنسي.

الأستاذ: سليمان.

صفحة حس سليم.

رابط الصفحة