على مدار حياتنا يُتاح لنا تحصيل وإدراكُ كم كبير من المعارف الحياتية والمعاني الانسانيّة المهمّة والتي عادةً ما تتنوع طرق تحصيلها ما بين التعليم النظامي أو المطالعة أو الأعمال التطوعية.

والأهم من ذلك كله المعارف الضمنية التي نتحصّل عليها من خلال التجارب الحياتية على تنوعها وكثرتها وتكرارها ، فتتجدد معارف الانسان منّا يوماً بعد يوم وقد يجدّد أو يُلغي بعضها البعض وذلك تبعاً لتطوّر فكرِ الواحد منّا ونُضجهِ وربّما لتغير قناعاته من وقتٍ لآخر

لكن بالرّغم من ذلك ألاحظ دائماً بأن بعضُ الأشخاص يعيشون بمعارفَ مجمّدة لا تثمرُ عن تطورٍ حقيقي في شخصياتهم أو سُلوكهم ، فتجدُ الواحد منهم يمضي وقتهُ منهمكاً في قراءة سِير الصالحين دونَ أن يتركَ ذلك أثراً حقيقياً في تقويم خُلقه وسُلوكه أو طريقة تعامله مع النّاس ، كذلكَ هو الحال مع الأستاذ الجامعي الذي أمضى عُقوداً من عُمره وهو يشرحُ لطلّابه أسُس القانون ثم تجدهُ بعد ذلك لا يتورّع عن التحايل على القانون أثناء قضائه لبعض المعاملات الحكوميّة أو الماديّة مخالفاً بذلك ما أفنى عمرهُ في تحصيله من معارف ومُثل ، وقِس على ذلك العديد من الأمثلة التي لابدّ وأنك أيضاً قد لمستها أثناء تعاملاتك الحياتية .

هذا ما يدفعُني للتّفكير والبحث في كيفيّة ادارة المعارف والخبرات التي نكتسبُها نحن كبَشر لتتحوّل من كونها نمطاً خاوياً من معناهُ الحقيقيّ الى سلوكٍ ملموس ومعاني انسانيّةٍ متأصلةٍ في نفوس من يملكونها وجزءاً لا يتجزأ من شخصياتهم ، تماماً كالطّبيب الذي يسخّر حصيلة معلوماتهِ الطبيّة في سبيل تقديمِ المساعدة للمرضى وهكذا . وفي هذا الصدد لا أعتقد بأن ادارة المعارف وترسيخها هي مهمّة فردية تقع على عاتق الشّخص نفسه فحسب وإنما هي مهمّة جماعية يتشارك فيها نسيجُ المجتمع بكافة مكوناته بدايةٌ من الأبوين والمعلّم واستاذ الجامعة والأصدقاء وانتهاءً بالشّخص نفسه والذي يقعُ على عاتقه دورٌ كبير في تحصيل المعارفِ أولاً ومن ثمّ استيعابها ومشاركتها لاحقاً مع المحيط عبر التّواصل والحوار وتبادلِ الأفكار .. لذلك أليس من الواجب من وجهةِ نظركَ تركيز الجُهد على ترسيخِ المعارف وإدراك جوهرها وجعلها سلوكاً ملموساً بدلاً من السّعي الحثيث وراء اكتساب المزيد والمزيد منها دونَ أن تتركَ فائدةٍ حقيقيّة ؟ أليسَ هذا نوعاً من آداء شُكر النعمةِ الذي أمرنا الله به ؟ وهل تحرصُ على تطبيق هذه المعارف في حياتك بشكلٍ عمليّ ؟

بالنسبةِ لي مثلاً أحاول تطبيق مفهوم " الإحسان " بصورٍ شتى من خلال عملي كصيدلانية في بيئة عمل حكومية محدودة الموارد ، هادفةً من وراء ذلك الى تحويل هذا المفهوم الى سلوكٍ عمليّ وليس مجرّد مصطلح أقوم بترديده ..