طالعنا الكثير من المنشورات التي تنتقد التسويف والمماطلة في تنفيذ الأمور، والمشاريع، على حد سواء، تحثّنا على اتباع طرق وأساليب للتغلب على التسويف والمماطلة ولعلّ آخرها الحلقة الأخيرة الرائعة لـ الدحيح بعنوان "هنعوض في الفاينال"وقليلاً ما نقرأ عن الجانب المشرق لذلك الموضوع، فهل المماطلة وتأجيل تنفيذ المهام أمر سيء على الدوام؟

لا اختلاف أنّ المماطلة هي أمر سيء حقاً في الأمور الروتينية التقليدية، أن تتأخر في إنجاز معاملة في البلدية، وأن تماطل بها هو أمر سيء، وتأخير غير مبرر، المماطلة في الدراسة للإمتحان ، تسويق الانتقال لنظام صحي سنة تلو الآخرى.

نعم مرة أخرى، إنّ المماطلة في البدء في التمارين الرياضية اليومية هو أمر سيء، والتسويف بالبدء بالنظام الغذائي الصحي، أو الإمتناع عن التدخين أمر لا ينصح به أحد، ولكن ليست المماطلة أمر سيء دوماً، وخاصة فيما يتعلق بالامور الإبداعية والمشاريع طويلة الأمد. إذا ما انتقل الأمر للجانب الإبداعي، فعليك التفكير مرة أخرى بموضوع المماطلة وتأثيرها الإيجابي أو السلبي.

في إحدى التجارب التي اختبرها الرائع آدم جرانت المختص في علم النفس التنظيمي، طلب من مجموعة من الأشخاص كتابة أفكار تجارية إبداعية جديدة، ومن ثم طلب من آخرين تقييم درجة الإبداع بها، ولكن قام بتقسيم المجموعة إلى قسمين، أنهى القسم الأول مهمته على الموعد مباشرة، وطلب من مجموعة أخرى عشوائياً المماطلة لمدة 5 أو 10 دقائق قبل البدء بالعمل.

جاءت النتيجة أنَ المماطلين أكثر إبداعاً بنسبة 16% من هؤلاء الذي ينجزون المهمة في وقتها المحدد دون مماطلة.

تزيد المماطلة الإبداع ويعود السبب في ذلك إلى أنّ المماطلة تدفعك بالتفكير بالموضوع طوال الوقت بشكل لا إرادي مما يجعلك تقوم بتحسين الفكرة في دماغك دوماً، يوماً بعد يومـاً، وساعة إثر ساعة، وبالتالي ابداع حلول جديدة كلياً في اللحظة الأخيرة، وهكذا حين تصل للتوقيت النهائي فأنت تكتب خلاصة كل تلك الفترة، وليس مجرد الساعة التي تقضيها في تلك المهمة.

تخيّل أن لديك مهمة لكتابة مقترح بحثي للقبول في الجامعة ، وقارن بين أن تكتبه مباشرة خلال ساعتين أو أن تماطل لمدة أسبوع، ومن ثمّ تجلس لمدة ساعتين، ما يحدث أنّك ستفكر لا إرادياً خلال الأسبوع بالمقترح وستقوم بتحسينه بشكل غير مباشر، والبحث به أكثر، ومن ثم حين ينفذ منك الوقت بسرعة، ستجلس في الساعات الأخيرة، وستحصل على نتيجة أفضل.

إذا كان يحلو للبعض تسميتها بالمماطلة أو التسويق، يمكن أن تسميّها التروّي، أو مرحلة التفكير، ومهما كان الحال فهي تؤدي إلى الحصول على لنتائج إبداعية أكثر، لأن التحضير المستمر سيؤدي إلى نتائج أفضل وأحياناً مدهشة أكثر.

على سبيل المثال استمر مارتن لوثر كينغ بالتحضير والمماطلة في انهاء انجاز كلمته التي سيلقيها في مسيرة واشنطن ، واستمر بتصحيحها حتى الساعة الثالثة صباحاً، وفي اليوم التالي وعندما صعد إلى المنصة تحدث بشكل مختلف تماماً، ارتجل كلاماً مختلفاُ إبداعياً أكثر، وكان الابداع بسبب التسويف، تخيّل لو أنّه أنهى كتابة النص بسرعة وقرأه بشكل جامد!

علينا أن ننوه مرة أخرى أن التسويف أمر سيء حين يتعلق الأمر بالإنتاجية، وأنّ ما نتحدث عنه هو الإبداعية، لن يفيد التسويف في انهاء حفظك لدرس تقليدي ما، لكنه سيفيد حين تكتب موضوع تعبير مثلاً، لن يفيد التسويف في تأخرك عن الذهاب للعمل في الموعد المحدد، لكنه قد يفيد في تأخير حجزك للطيارة مثلا لرحلة استجمام.

ps : المقال لـفادي عمروش