لعل الكلام فيه من القسوة ما فيه، لكن لا بدّ من المصارحة في النصيحة والعتاب من بعد أن تساهل الناس وأفرطوا :

لو أنّ أبا بكر وعمر وعثمان شهدوا على فاسقٍ بالزنا ولم يكن معهم شاهدٌ رابع، لتمت معاقبتهم حداً بالقذف= ٨٠ جلدة، أي أن عقوبتهم قريبة من حد الزاني لو ثبتت جريمته= ١٠٠ جلدة!

هذا المنهج الربّاني الذي تم إهداره في مجتمعاتنا بدعاوى كاذبة، وساد التساهل في التعامل مع الشائعات وتناقلها بأعذار ظاهرها الإصلاح وحفظ الحقوق وتحذير الناس وباطنها الدناءة والفساد والتشهير، هذا المنهج الذي قضينا عليه بمجرد قبول الاستماع للقذف الأخلاقي والوطني في الأشخاص بحجة قبيحة اسمها "مصادر موثوقة"، ومصادر أخوية ومقربة وعلى اطلاع.

الرسالة واضحة:

اقطع لسانك قبل أن تتحدث في أعراض الآخرين وتتبادل الشائعات تصريحاً أو تلميحا، بحجة النصح والتحذير أو بغير حجة.

اقطع لسانك قبل أن تتناقل حديثاً يتهم الناس في وطنيتهم أو في أخلاقهم.

يعني أن تتبع منهج الله في التثبت والإثبات وقطع الشائعات ومحاربتها حتى لو تبين فيما بعد أنها صحيحة، خيرٌ من أن تخالف منهج الله وتخوض مع الخائضين ولو تبين فيما بعد أن الشائعات صحيحة، فأنت لا تدافع عن المتهم بقدر ما تدافع عن نفسك وتدفعها عن الانحراف عن أمر الله.

هذه ليست دروشة ولا حسن ظن زائد بالغير، هذا التزام بأمر رباني في اختبار خاص فينا بدلاً من الانشغال في اختبارات الغير، وجهول من نجح في تقييم اختبار غيره وغفل عن اختباره، وسوء الظن في زماننا قد يصح لفساد الذمم لكنه يبقى حبيس النفس لا على كل لسان.

على أي حال هذه نصيحة لكل صادق يخشى الله، ولكل عاقل يدرك معنى كرامة الإنسان وسمعته، أن الحكمة في الفرار من هذه الدوائر، والامتناع القطعي عن الاستماع والخوض مع الخائضين، والجهول الظالم لنفسه وإخوانه من هرول يتلقف بلسانه الشائعات والاتهامات، فلا تعينوا سفاكاً يسفك أعراض الناس في سقوطهم الأخلاقي والوطني، ومجرد العلم في كثيرٍ من القضايا ليس حجةً لتصول وتجول بأقوالك، وإلا لما كانت عقوبة من شاهد حالة الزنا وعاينها بأم عينه هو واثنين معه من الثقات أن يُجلدوا من غير رأفة وأمام طائفة من الناس تشهيراً بهم كما شهّروا في غيرهم.

يقول الله سبحانه محذرا وهو يصف الحال:

"إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين"

يعظكم الله، ينصحكم الله، يحذركم الله..

  • ساجي ابو عذبة