من أي البلاد أنت؟

يكاد يكون أول ما يُسمَعُ في هذه البلاد

تُسألُ عن أرضك قبل اسمك

اسمك هنا لا يهم

فأنت رقم

وما أكثر الأرقام في الغربة

فقد تكون الفلسطيني العاشر

أو ثالث السوريين

أو مكمل الألفين من أهل مغربنا العربي الحبيب

ثم ما تلبث أن تفصح عن لهجتك المصرية الجزلة

أو تلك العراقية الفوّاحة بالأصالة

حتى تجد أخاك السودانيّ يستمع الأغنية الليبية ويحدّثك عن تاريخ قضاه مغتربا في بلاد الحرمين قبل غربته هذه

يفرض عليك الانخراط _حاجةً_ لانعدام وجود البديل لا لثبات المبدأ

فكما أخبرتك ، أنت هنا رقم

العيش عيش أسراب هنا وقطعان

ذاك سرب إفريقي

وتلك غابة الترك هناك

وأنت الفرح بانتمائك داخل قطيعك العربي الذي تشارك معه اختلافك عن الاخرين ، تتشابه وأفراده بانفصالكم عن غيركم ،

جمعتكم مفارقة بقية الفصائل

فجامعكم الوحيد خوفكم من التعايش

ورابطكم معاداة من ليس يشبهكم

فهل هو تكاتف وائتلاف في بلاد الاغتراب؟

أم أنه "تقوقع" مخيف سببه الخوف من أي جديد؟

هل هو نوع من الحذر؟

أم أنه انعدام جرأة لتقبُّلِ ءاراء أخرى وأفكار مغايرة ونمط حياتي مختلف

بل هو خوف من النفس

نعم

خوف المغترب من نفسه

خوفه من التطبُّع ، فخواصّ الإضافة والازدياد على مختلف الأصعدة مما شحّ ظهوره عند العرب

فكان التحوّل والانقلاب البديلين لمن لم يستطع المقاومة

فانقسم الشعب المغترب بين منسلخ عن أصله لابسا ثوبا معارا ، وما كذب أهل الشام حين قالوا: (توب العيرة ما بيدفي)

وبين منطوٍ على ما تبقّى من نفسه ، يصارع ثلاثة ويعلن الهزيمة بين يدي أربعة

فصار المَهْجَرُ العربي _بمنطق الجلد المدوّر _ بين متكدّس للدفاع معترفا بأفضلية المنافس دون تجربة المقارعة حتى ، إلى أن انعدمت مرتداته

وبين مهاجم مستعرض ظن النصر حليفه كل حين

فلا نحن تقبّلنا اللعب ، ولا قسّمنا "أشواطنا"

فضاعت البطولة

وضعنا

محمود سوكاني