هذا المقال لمن هم أعمارهم فوق ال ١٨ وللعجائز والشيوخ الذين سيكملونه لنهايته، وضعت هذا التنويه في البداية إرضاءً للأصدقاء الذين ناقشوني بالعقل حول تحفظاتهم وما يقلقهم، رحلة جديدة مع الجنون والمجانين، مختلفة عما وعدته فهي عامة قليلًا، ولكن كيف أنظر للعالم الحديث دون الرجوع للأصول؟

لا صور في هذا المقال، إن أردتم صورًا أطلبوا فلا أعرف حدود هذا الموقع بعد الآن، ولم يعد موضوعي السابق بعد ما زال مخفيًا، وإن أخفي هذا المقال أيضًا فسأتوجه لمجتمع آخر أنشر فيه هذه السلسلة.

تحذير واجب: الأفكار المعروضة في هذا المقال أو السابق ليست أفكاري الشخصية، والأفكار المعروضة عامة في هذه السلسلة ليست أفكاري، بعض التحليلات لي والبعض الآخر مقتبس من المصادر، وليستعمل كل ذي عقل عقله، الرجو غفران أي أخطاء إملائية أو نحوية فمن الصعب مراجعة كل هذا الكم.

One thing I learned, you have to be careful in choosing your sex partner – it’s difficult and dangerous to rape a horse.

Mark Matthews, The Horseman: Obsessions of a Zoophile (1994)

العلاقة الجنسية بين الإنسان والحيوان ضاربة في القدم، وسنتكلم في هذا الملحق عن بعض المصادر والتاريخ والإحصائيات لتكمل المقال السابق وسنبدأ ببعض التفكير في الانسان والحيوان.

يطلق البعض عليها اسم زوفيليا اي حب الحيوانات. والبعض الآخر bestiality او بهيمية، والبعض يحاول التفرقة بينهما لكن الكلمتين تستعملان بالتبادل والأغلبية لا تفرق بينهما.

ربما يمكن تفسير العلاقة الجنسية بين الإنسان والحيوان في العصور القديمة بالتفسيرات التي وضعناها في المقال السابق، أو سنحتاج أن نضيف لها بعض التفسيرات الدينية، الإنسان منذ بدء الخليقة لطالما شعر بوجود قوة روحية تسري في هذا الكون كان عقله كعقل باقي الحيوانات يشعر بها ولكن لا يستطيع ان يشخصها او يجردها او يحيونها، ولما اطور عقله تدريجيًا تغيرت وجهة نظره لهذه القوة، ففي البدء ارتأى أنها تتضخم في أشياء يرتبط بها عاطفيًا فرأى أن الكهوف التي احتضنت طفولته وشبابه بها جزء كبير من تلك القوة، وأعطاها قيمة روحية كبيرة، ونرى صدى ذلك في دين العرب الذين كانوا يتخذون من احجار الكعبة للتبرك، والأحجار التي استخدموها في نصب خيامهم في ترحالهم للتبرك بها، وكذلك العصي، وصدى ذلك في العصر الحديث فيما يرتبط باعمال السحر التي تتطلب منك الحصول على شيئ قريب جدًا من الشخص الذي تريد أن تسحره، ملابسه الداخلية التي لم يغسلها منذ أسبوع مثلًا، لذا وضح لنا ان ارتباط الانسان العاطفي ببعض الأشياء كالمنزل يعطيها قوة روحية، وتدرج الانسان في العقل فأدرك مدى روعة الخلق في الحيوانات، رأى حيوانات جميلة، وأخرى قوية، أخرى نادرة، وأخرى يرتبط بها عاطفيًا لكثرتها وانتشارها حوله، فنشأت الطوطمية وتقديس الحيوان ما اعتبره البعض خطئًا "عبادو للحيوان"، فلم يعبد الإنسان أبدًا الحيوان الا بعض المجانين، وهنا نستطيع أن نكمل سرديتنا ولن نكمل الحديث عن التسلسل الديني في هذا المقال.

هذا التقديس لأنواع الحيوانات المختلفة يمكن أن نضيفه للأسباب التي قد تؤدي لممارسة جنسية مع الحيوانات، الاسباب التي تتراوح بين ممارسة السيطرة على الحيوان والكبت والامراض النفسية والارتباط العاطفي الغير موجه والتجارب الشخصية...إلخ، وأقدم الآثار المؤكدة عن ممارسة الجنس مع الحيوانات ترجع للعصر النيوليتي، نحن متأكدون أن الإنسان الحالي استوطن أفريقيا منذ أكثر من ٢٠٠ الف عام، هاجر منها منذ ما يقرب ١٠٠ الف عام في جماعات كبيرة وواضحة، وأكبر الهجرات كانت قبل ٤٠ ألف عام تلاها العصر الباليوتي الأعلى، حيث تقدمت الصناعات الحجرية والعظمية بشكل كبير وازدهر الصيد، وتنوعت الأدوات المتخصصة، وازدهر العقل الأداتي للإنسان بشكل عام(١)، صنع الإنسان الزينة واستخدمها مما يدل على زيادة النزعة الفردية قليلًا، والأكواخ بُنيت وبدأت الرسوم تظهر لنا حيوانات متعددة وأنصاف بشر وحيوانات وبالتأكيد طغت تعامة أو الأم الكبرى على الجميع، فكثرت رسومات لإناث تظهر الأجزاء الأنثوية الأهم، وفي المقابل نلاحظ نقوش ومنحتوتات بسيطة للأعضاء الذكورية، ونادرة جدًا على عكس الآثار التي تمثل الأنوثة، يعتقد العلماء أن اقدم الآثار التي قد تؤول على أنها ممارسات للزوفيليا او البهيمية تتراوح بين ٤٠ الف و٢٥ الف قبل الميلاد، أقدم الآثار تعود للألفية ٢٣ قبل الميلاد حيث وجدت عضام منحوتة لما يعتقد انها لبؤة تلعق عضو ذكري او انثوي في كهف أبري دي لا ماديليني(٢)، وفي نفس الفترة نجد آثار غير واضحة ولكن طبيعة الانسان كغيره من الكائنات الحية نعتبر أنه فعلها بشكل نادر جدًا، وانها بدأت تزداد بشكل كبير مع الإستقرار والرعي، ولذا يمكن ان نعتبرها ظاهرة بدأت مع العصر النيوليتي واكتشاف الزراعة، ولكن ما يمكننا القاء نظرة عليه هنا هو ان رسومات ما قبل العصر النيوليتي أظهرت لنا انصاف بشر وحيوانات، وان كان الطوطم وتقديس الحيوان احد ردود الفعل على ازدياد عقل الانسان الاداتي وغير الاداتي، فيمكننا ان نعتبر هذه الرسوم ورغبة الانسان في اكتساب صفات هذه الحيوانات سبب في ميولهم لتجربة الجنس معها، فهذه لم تعد مجرد رغبة حيوانية بسيطة بل تعقدت ليدخل فيها الدين والعقل، وفي إحدى الرسومات على كهف في إيطاليا تعود للألف الثامنة قبل الميلاد لرجل يمارس الجنس مع حيوان والتي يفسرها الباحث رايموند كريستنجر على أنها شكل من أشكال إظهار السيطرة (٣)، ولقد وضعنا فرضية بأنه كلما تقدم عمر البشرية كلما ازداد وعيها الذاتي وازداد فهمها وافترضنا ان تقديس الانسان للكائنات تدرج من الجمادات والحيوانات الى الانسان ثم الى التجريد الشامل في العصور التاريخية كما استطاعت الهند في تعاملها مع البراهمن والديانات الإبراهيمية، وافترضنا انه باستقرار الانسان وممارسته للزراعة سيكون علاقات أليفة أكثر مع الحيوانات وسيزداد تشخيصه لها، وربما يفسر ذلك هذا الشيوع للعلاقات البهيمية الذي جعل الدول إما تعترف به أو تشنعه وتفرض له العقوبات، وقبل أن نترك عصور قبل التاريخ ارتأينا جلب دليل على صحة هذا الإفتراض من أوروبا، في احد المواقع الاثرية في ايطاليا، والتي تعطينا أحد سبل تطور الجماعات الانسانية من رسوماتها، فتبدأ بالتركيز على الطعام ثم بالتشخيص والاهتمام بالانسان تدريجيًا والذي كانت الزراعة طفرة في هذا الإهتمام، وبعد اكتشاف هذا المجتمع للزراعة نجده يركز أكثر على الموضوعات التي تشغله عقله وعلى أنسنة العالم فلا نستغرب إن وجدنا ممارسات جنسية مع الحيوانات بدأ تظهر على الرسوم اهتمام بالجنس بشكل عام، فيمكننا أن نرى كما توقعنا أشكالًا إنسانية برؤوس حيوانات(٤) فيبدو أن ارتباطه بالحيوان وخاصة الكلاب التي هي من اوائل الحيوانات المستأنسة هناك مع بدء أنسنته للعالم أدى الى مثل ذلك وسيؤدي كما نتوقع إلى الممارسة الجنسية معها سواء كان كطقس ديني، او مجرد رمز على الجدران، وسنجدها بكثرة في هذه الفترة، ولذلك نتوقع في نفس الفترة او التي تليها أن يرسم لنا علاقاته الجنسية حسب مقدار فراغه واهتمامته، والتي تأخرت قليلًا حتى العصر البرونزي لهذه الحضارة (٥) فنجد رجلًا يمارس الجنس مع حصان أو حمار، وفي رسمة أخرى نجد إمرأة تمارس الجنس مع كلب، في مشهد سريالي للوحة ضخمة تظهر الجنسانية في هذه الحضارة ومدى تقدم دور الجنس عندها وارتباطه بالحياة والكون والدين، وربما كان ذلك لمجئ تأثيرات شرقية على هذه الحضارة المتأخرة نسبيًا، فقد كانت ما تزال في العصر البرونزي من الألفية الثانية حتى الأولى، وهي فترة ظهور هذه الرسومات، لذلك وجب أن ننظر للعصور التاريخية.

لا يمكن الاعتماد على ويكيبديا في هذا الموضوع، فكتاب ويكيبديا دلسوا وهبدوا هبدًا لا يوجد في المصادر التي وضعوها، فيرجعوا الرسومات لأزمان ليست لها، ولا يفهمون تقريبًا العصور البرونزية المختلفة من مكان لآخر

أما في العصور التاريخية حيث التدوين ظهرت هذه الظاهرة بشكل أوضح، فيتجلى ذلك في قوانين الحيثين التي ترجع لللقرن الثالث عشر قبل الميلاد، التي عاقبت الرجل الذي يمارس الجنس مع خنزير أو كلب أو بقرة بعقوبة مالية بينما من مارسها مع حصان أو بغل يمنع فقط من الاقتراب من البلاط الملكي أو أن يصبح كاهنًا(٦)، ويمكن تفسير ذلك وفقًا لعادات اجتماعية فقد يكون من عادة الملوك حينها ممارسة تلك الممارسات مع الاحصنة والبغال بينما الفقراء لم يستطيعوا شراء هذه الحيوانات فكانت الكلاب ارخص، أو انها شعائر دينية قديمة جاء الدين الجديد والتقلبات الدينية لتثور عليها وخصوصًا ان الخنزير والبقرة رمزت في أحيانًا كثيرة للألهة المؤنثة مما يوضح تحريمها في الأديان الذكورية نسبيًا ، والبعض أدعى ان الظاهرة كانت موجودة عند البابيليين اعتمادًا على تحريمها في قوانين حمورابي وهذا تدليس على حمورابي، فالقوانين لم تذكر أي شيئ عن هذا الأمر وللأسف كنت لأقع في هذا الخطأ لأن أحد الكتب التي اعتمدتها مصدرًا ذكرت ذلك ولكن عدت للقوانين لم أجدها، وهي بالتأكيد موجودة في شريعة موسى التي ترجع الى ربما ما قبل الألفية الأولى قبل الميلاد، فالتوراة كتبها كاتبان مختلفان في زمنين مختلفين، وهذه القوانين على الأغلب ترجع للكاتب القديم أو "الكاهن" او الآخر حسب من كتب التلمود فيهم، وربما يمكننا هنا تفهم هذا التحريم في ظل نظرية شعب الله المختار التي تمنع عليهم الاختلاط باي من الشعوب الأدنى فما بالك بالحيوانات؟ أما لو تعمقنا أكثر في النظرية فقد يكون ذلك نوع من الثورة على عادات قديمة وانفصال عن المجتمع لخلق عزلة حول الجماعة، فيعتقد أن عدة احتفالات تضمنت الأعضاء الجنسية للحيوانات بشكل او باخر وخاصة المتعلقة بالخصوبة والتي عادة ما ترأسها الالهة الأم التي حاربتها التوراة في عدة مواضع واصفة اياها بأبشع الأوصاف، وربما تحليل أعمق نخزنه لوقت لاحق.

لا ننسى بالتأكيد ما للحصان والثور من قوة جنسية كبيرة أبهرت الإنسان عبر التاريخ، فاستخدمهم في الاعمال السحرية التي تزيد الخصوبة، مما قد يجعل الحكومات الذكورية تمنع الجنس معها، ويجذب العامة لممارسة الجنس معها كنوع من التبرك او فرض السيطرة، او مع البقرة وانثى الحصان او انثى اي حيوان يعتقد البشر بقوته الجنسية للقوة الجنسية لأزواجها.

ذكر هيرودت في كتابه الثاني في الفصل السادس والأربعين أنه شهد حادثة غريبة لم يعهدها قط وهي أن تيسًا مارس الجنس مع امرأة، ولليونان تاريخ طويل مع الممارسات الجنسية الشاذة عمومًا، فزيوس كان يتجسد على هيئة حيوانات ويمارس الجنس مع الآلهة والبشر، وقصة ليدا والبجعة، وان كان هيرودت رمى النساء المصريات بتهمة الجنس مع الحيوانات ففرجيل وبلوتارخ رمى رجال اليونان بنفس التهمة في كتابه حوار عن عقلانية الوحوش Discourse on the Reason of Beasts، وعلى الاغلب كانت هذه العلاقات اما للمتعة أو للدين، فكان يُذكر عن نساء اليونان وضعهم الافاعي في فروجهن في الايام الحرة لتبريدهن -حسنًا من يمكن أن يصدق هذا؟(7)، والأغراض الدينية تظهر في العديد من القصص التي لن يسعنا جمعها هنا على ما يبدو ولا أعتقد أني سأقدر على جزء ثالث هنا.

القانون الروماني لم يذكر شيئًا عن هذه الممارسات، وأعتقد أننا هكذا غطينا جزءًا كبيرًا افتقده الويب العربي مع بعض النظريات والفرضيات، وأنا في حيرة من أمري فسأطلب منكم إذا أردتم أن أكمل في تلخيص المزيد من التاريخ الجنساني البهيمي أم وضعت نظريات وفرضيات مع قضايا العصر، كنت أتمنى أن أتوقف هنا ولكن كبر الموضوع جدًا.

العقل الغربي حاليًا يتعامل مع الحيوانات كأدوات، مسموح بنشر المواد الإباحية التي تتضمن جنس مع الأطفال في بعض الدول، وجنس الحيوانات في أغلب الدول، العقل الأداتي لا حدود له والعقل الغربي يغوص في اللأخلاقيات، الأخلاق ما زالت تحارب وسط كل تلك المهزلة العقلية، والعلوم الإنسانية تنهار تدريجيًا تحت وطأة الإقتصاد والغرائز، فصدمة الماركسية لم تكفي العالم الغربي ليدرك ما ينقصه في علم الإجتماع، وإيقاظ علماء الإجتماع إلى ما أغفلوه، وصدمة الإيدز أفاقته قليلًا حول الجنس، فأي صدمة يتطلبها عالمنا العربي؟ وكم من الصدمات نحتاجها؟ وما مدى قوتها؟

المقال القادم سيتحدد على حسب رغبتكم، وإن أردتم قصة في المقدمة كالمقال السابق قولوا، فلا أعتقد أنها كانت بتلك الجودة.

ما زال هنالك الكثير من القصص في العصور التاريخية ولكن لا أرى فائدة لذكرها يمكن الرجوع اليها عن طريق جوجل، وأرى إن لم تكن التفسيرات والنظريات التي وضعناها واضحة أن نجمعها مع عرض بعض قضايا العصر في عالمنا العربي وتاريخ العرب.

سؤال أخير إن أرتأيتم أن أكتب باقي هذه السلسلة في هذا المجتمع أو مجتمع آخر أعرف مشرفه على الأقل ولن يخفي المقالات جحافًا.


١-

٢-

٣-

٤- The Way of Life Recorded in the Rock Art of Valcamonica

٥- The Way of Life Recorded in the Rock Art of Valcamonica page 20-21

٦-

7-pleasure's all mine, a history of perverse sex page 181-185