*نُشر أصلاً على

منذ فترةٍ قصيرة، حصلت ناسا على صورةٍ واضحة المعالم لثقبٍ أسود يبعد عنّا ملايين السنين الضوئيّة، وبهذه المناسبة، أحببتُ أن أترجم لكم مقالاً قديمًا من موقع ناسا الرسميّ تجيب فيه عن بعض الأسئلة الشائعة عن الثقوب السوداء، قراءة ممتعة.

الثقب الأسود هو منطقة في الفضاء فيها قوة جاذبية كبيرة جدًا بحيث لا يمكن للضوء أن يخرج منها. سبب الجاذبية القوية هو ضغط المادة في مساحةٍ صغيرة. يمكن أن يحدث هذا الضغط عند انتهاء حياة النجم. وبعض الثقوب السوداء هي نِتاج موت النجوم.

ولأنه لا يمكن للضوء أن يخترقها، فإن الثقوب السوداء غير مرئية. يمكن للتليسكوبات الفضائية وبعض الأدوات الخاصة أن تساعد في إيجاد ثقوبٍ سوداء، ويمكنها مراقبة سلوك المواد والنجوم القريبة من الثقوب السوداء.

كم يبلغ حجم الثقوب السوداء؟

تأتي الثقوب السوداء في مجموعةٍ من الأحجام، لكن هنالك ثلاثة أنواع رئيسية منها، وكتلة الثقب الأسود وحجمه يعتمدان على نوعه. النوع الأصغر منها يُعرف باسم الثقوب السوداء البدائية. يعتقد العلماء أن هذا النوع من الثقوب السوداء بحجم ذرّة لكن يحمل كتلة جبلٍ شامخ.

النوع الأكثر شيوعًا متوسط الحجم من الثقوب السوداء يُدعى “النجميّ”. كتلة الثقب الأسود النجمي قد تصل إلى 20 ضعف كتلة الشمس ويمكننا وضعه في كرةٍ قطرها حوالي عشرة أميال. قد يتواجد عشرات الثقوب السوداء النجمية في مجرّة درب التبانة.

أكبر نوع من الثقوب السوداء يُدعى الثقوب الفائقة. لدى هذه الثقوب كُتَل أكبر من مليون شمس معًا وتتّسع في كرةٍ يبلغ قطرها حجم النظام الشمسيّ. الأدلة العلمية تشير إلى أن كل مجرةٍ كبيرة تحتوي ثقبًا أسود فائق في مركزها. يُطلق على الثقب الأسود الفائق في مركز مجرتنا درب التبانة اسم (الرامي أ – Sagittarius A). لدى هذا الثقب كتلةً تساوي كتلة 4 ملايين شمس وقد تتسع لكرةٍ يبلغ قطرها حجم الشمس.

كيف تتشكل الثقوب السوداء؟

يُعتقد أن الثقوب السوداء البدائية قد تشكّلت في الكون المبكر، بعد حدوث الانفجار العظيم بقليل. وتتشكل الثقوب السوداء النجمية عندما ينهار مركز نجمٍ كبير جدًا على نفسه. يشكّل هذا الانهيار أيضًا مستعرًا أعظم، أو انفجارًا نجميًا، يتفجر فيه جزء من النجم في الفضاء.

يعتقد العلماء أن الثقوب السوداء الفائقة تشكّلت مع تشكُّل المجرات التي تقبع فيها، لأن حجم الثقب الأسود الفائق مرتبط بحجم وكتلة المجرّة الموجود فيها.

إن كانت الثقوب السوداء “سوداء” حقًا، كيف يعرف العلماء أنها موجودة؟

لا يمكن أن تُرى الثقوب السوداء؛ بسبب قوة الجاذبية التي تسحب كل الضوء إلى مركز الثقب الأسود. ويمكن للعلماء أن يلاحظوا آثار جاذبيتها الكبيرة على النجوم والغازات المحيطة بها. إن كان النجم يدور حول نقطةٍ معينة في الفضاء، يمكن للعلماء دراسة حركة النجم لمعرفة ما إذا كان يدور حول ثقب أسود.

عندما يدور ثقبٌ أسود ونجمٌ بشكلٍ قريب معًا، ينتج الضوء عالي الطاقة، ويمكن للأجهزة العلمية رؤية هذا الضوء.

يمكن أن تكون جاذبية الثقب الأسود في بعض الأحيان قويةً كفايةً لسحب الغازات الخارجية للنجم وتكوين قُرصٍ حول الثقب يُدعى “قرص التراكم – the accretion disk”. وبينما تنزلق الغازات من قرص التراكم (أو التعاظم) إلى الثقب الأسود، يسخن الغاز إلى درجات حرارة عالية وتطلق أشعةً سينية في كل الاتجاهات، وقد قاست ناسا بالتيلسكوبات الأشعة السينية. يستعمل علماء الفلك هذه المعلومات لتعلُّم المزيد عن خصائص الثقب الأسود.

هل يمكن لثقبٍ أسود تدمير الأرض؟

الثقوب السوداء لا تتجوّل في الكون، وتبتلع العوالم عشوائيًا. بل إنها تتبع قوانين الجاذبية مثلها مثل جميع الأجسام الأخرى في الفضاء. يجب أن يكون مدار الثّقب الأسود قريبًا جدًا من النظام الشمسي للتأثير على الأرض، وهذا أمر غير مُرجَّح.

حتى لو تم استبدال الشمس بثقبٍ أسود بنفس كتلة الشمس، لن تقع الأرض فيه؛ فالثقب الأسود ذا الكتلة المماثلة للشمس من شأنه أن يحافظ على نفس جاذبية الشمس. وستبقى الكواكب في مدارها حول الثقب الأسود كما تدور حول الشمس الآن.

هل ستتحول الشمس يومًا إلى ثقب أسود؟

ليس للشمس كتلة كافية للانهيار في ثقبٍ أسود. بعد مليارات السنين، وعندما تؤول حياة الشمس إلى نهايتها، ستصبح “عملاقًا أحمرًا”[1]. بعد ذلك – حينما تستهلك كل طاقتها – ستتخلص من غلافها الخارجي وتتحول إلى غيمةٍ متوهّجة من الغاز تسمى “السديم الكوكبيّ”. وأخيرًا، يكون كل ما تبقى من الشمس هو “قزم أبيض”[2] بارد.

كيف تدرس ناسا تلك الثقوب؟

تتعلّم ناسا المزيد عن الثقوب السوداء باستعمال مركبةٍ فضائية مثل مرصد “تشاندرا” للأشعة السينية، والقمر الصناعيّ “سويفت”، وتلسكوب “فيرمي” الفضائي لرصد أشعة جاما. أُطلِق فيرمي في عام 2008 وهو يراقب أشعّة جاما – أكثر أنواع الضوء طاقةً – بحثًا عن الثقوب السوداء الفائقة والظواهر الفلكية الأخرى. المركبات الفضائية مثل هذه تساعد العلماء في الإجابة على أسئلةٍ عن المنشأ والتطوّر ومصير الكون.

[1]: نجم أكبر من الشمس ولونه أحمر بسبب انخفاض درجة الحرارة.

[2]: نجم صغير، بحجم الأرض تقريبًا، أحد أواخر مراحل حياة النجم.