تًعد نطرية التطور أحد أكثر النظريات العلمية المثيرة، أن لم تكون أكثرها على الإطلاق، فدائمًا ما كانت تثير الكثير والكثير من النقاشات الحامية حول عناصرها.

ولا يعنينا هُنا طرح مدى صحة النظرية علميًا أم لا، ولا مدى توافقها مع التعاليم الدينية، وأنما ما جذبنا إليها ذلك التقرير المثير الذي نشرته الـ BBC العربية (

http://www.bbc.com/arabic/s...

وتقول فيه أن الجاحظ توصل للتطور أولًأ.


في الأساس فأن نظرية التطور قدمها الإنجليزي تشارلز داروين (1809 : 1882) في كتابة «أصل الأنواع» والذي نشره ٢٤ نوفمبر عام 1859.

وعنوان الكتاب بالكامل: «في أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي، أو بقاء الأعراق المفضلة في أثناء الكفاح من أجل الحياة - On the Origin of Species by Means of Natural Selection, or the Preservation of Favoured Races in the Struggle for Life».

يمكنك الإطلاع على عبر نسخة مترجمة عن مؤسسة هنداوي: ( https://www.hindawi.org/boo...

وهو الكتاب الأكاديمي الأكثر تأثيرًا في تاريخ البشرية، بحسب تصويت اجرته الجارديان، حيث تم الإشادة به باعتباره كتاب غيّر طريقة تفكيرنا في كل شيء، فقد استخدم داروين الأسلوب العلمي والملاحظة الدقيقة للعالم من حوله، إلى جانب التفكير المطول والعميق، بما يعد ثورة في البحث العلمي وقتها.

وقد أطلق داروين في الكتاب مصطلح «الانتخاب الطبيعي» أو «البقاء للأصلح» و«النشوء والارتقاء»، وجعل هذا الانتخاب حكمًا فاصلًا في بقاء الأحياء، وهي الفكرة التي توصل إليها أثناء رحلته على متن سفينة بيجل التابعة للبحرية الملكية البريطانية.

وقال داروين بأن الزراف طويل العنق أدرك أوراق الشجر فعاش، بينما نظيره من ذوي الرقبة القصيرة فاته الطعام فانقرض، حيث تنفي الداروينية ثبات الأنواع، وتجعل من الضروري إنقراض حقب سحيقة منذ بداية الحياة.

وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون، لم يقل داروين أن الإنسان أصله قرد، بل أن هذا لبس أحدثه النقل غير الدقيق. فقد قال داروين أن القرد والإنسان يقعان في شجرة التطور، لكن الفرع الذي انتهي بالإنسان يختلف عن الفرع الذي يقع فيه القرد


لكن الحقيقة أن فكرة التطور كانت قائمة قبل داروين.. لقد كان الفرنسي «جان باتيست لا مارك» (1744 : 1829) أول عالم أحياء يجعل من التظور مذهبًا بارزًا، بأن قال أن ظهور عضو جديد في جسم الحيوان يرجع لشعوره بحاجة جديدة تقتضي وجود هذا العضو، ويرجع ذلك لما اسماع بـ «دفعة الحياة» وأن ما يكتسبه الحيوان ينتقل لذريته، بمعنى أن الصفات الوراثية تورث.

غير أن قبل داروين بنحو ألف عام، كتب الجاحظ، وهو الفيلسوف العراقي المسلم كتابه الموسوعي «الحيوان» والذي يتكون من 8 أجزاء، وقدم فيه معلومات موسعة عن 350 حيوان، وقال أفكار تحمل تشابها كبيرا لنظرية داروين للتطور، عن كيفية تغير الحيوان عبر ما سماه أيضًا «الانتقاء الطبيعي».

فهل توصل الجاحظ لنظرية التطوّر قبل دارون؟! هذا هو السؤال الذي طرحته الـ BBC في تقرير مثير لها، مستبعدة فيه أن يكون داروين قد أطلع بطريقة ما على كتاب الجاحظ كونه لا يعرف العربية.

ويبدو أن التطور سيظل مدعاة للكثير من النقاش والأخذ والرد، والكثير من الإفتراضات.


وفي الأخير، لا تكمن أهمية نظرية التطور في أنها نظرية صحيحة أو خاطئة، بقدر ما كانت ملهمة للكثير من العلماء في مختلف المجالات العلمية، ولا مجال هًنا لتفنيد النظرية من الناحية الدينية، وأنما نقدر المكانة العلمية للطريقة العلمية التي تم وضع كتاب أصل الأنواع، ليكون أول كتاب يقوم على فكرة الملاحظة والمشاهدة...