في البدء كانت الفكرة …والفكرة صارت حلماً … والحلم أصبح هدفاً … والهدف تجسد وصار قصة نجاح تمشي على الأرض …

كانوا ثلاثة أصدقاء، لمعت في خواطرهم فكرة العمل من الانترنت، تعاهدوا على الإخلاص واتفقوا على التعاون، لا بديل عن النجاح، لا مناص من انجاز الهدف.

جلسوا سوياً، اتحدوا، تناقشوا، تبادلوا الأفكار، وبعد جلسات متكررة من العصف الذهني وجرد المهارات، انتهوا الى انشاء مدونة باللغة الانجليزية يقدمون فيها محتوى جيد ومفيد ومميز يسطرون به قصة نجاحهم.

ودقت ساعة العمل، والحماس يملئ النفوس، فواحد يكتب، وثان يبحث، واخر يخطط، ومرت الأيام، وبعد الأيام مرت أسابيع، ثم بعد ذلك شهور طويلة من العمل الدؤوب.

لكن كما يقال في الأمثال “ما طار طير وارتفع، الا كما طار وقع”، بدأت جذوة الحماس تخمد في النفوس رويدا رويدا، ومشاعر الملل والخوف والريبة باتت تطل برؤوسها التي تشبه رؤوس الشياطين.

ها هي الأيام قد مرت سريعا ولا نتيجة تذكر، لا قصة نجاح تروى، لا قطرة أمل تنبئ بغيث الرحمة الوفير، لا مقابل يلمس نظير التعب والسهر والتكتيك والكر والفر، بل على العكس من ذلك، كانت العوامل المقاومة أكثر من العوامل الجاذبة.

الأهل يُحثون أبنائهم على أن يبحثوا عن وظيفة، وألا يضيعوا أوقاتهم في اشياء خيالية ضرها أكثر من نفعها، وبعض الأصدقاء يتهكم، والبعض الأخر يسخر من ثبات هؤلاء الثلاثة أمام أجهزة الكمبيوتر الصماء.

هل بإمكان هذه الحواسيب أن تخرج مالاً؟ هل بمقدور هذه الآلات أن تنبت قمحاً وشعيراً؟ هل يمكن أن تصنع أمجاداً؟ هل تستطيع صناعة ثورات؟ كل هذا ما هو الا محض افتراء.

انسحب الصديق الأول س، وتلاه سريعاً الصديق الثاني ص، وبقي الصديق الثالث “فاروق رضوان” وحيداً في الميدان، بالطبع عزيزي القارئ لم يكن الصديق الأول أسمه ” س” ولا الثاني أسمه “ص”، بل أطلقت عليهم هذه الرموز لأني ورب طور سيناء لا أعرف لهم أسماء، وأعتقد أن كثيرين مثلي لا يعرفونها، أنت أيضاً لا يهمك معرفة هذه الاسماء، هم مجهولون، وسيظلون هكذا للأبد، فهذا هو عقاب التاريخ لمن يستسلم، هذا هو عقابه الأزلي لمن يفر من الميدان، عقابه هو أن يجعله إما نكرة تنسى أو سبة يستعاذ منها.

صمم “فاروق رضوان” على البقاء وحده، صمم على تحمل التعب وقلة النوم وحده، صمم على تحمل آلام الخوف على المستقبل وحده، قال لنفسه: أكون أو لا أكون، لا يهم من يسخر، لا يهم من يتهكم، لن يهمني الذين يمرون بي صباح مساء وهم يتغامزون، حينما أصل إلى خط النهاية وحينما أخط سطر النهاية في قصة نجاحي سينحني لي الجميع احترماً.

جلس فاروق رضوان مع نفسه وقام بعمل جرد موضوعي لكل نقاط القوة التي يتميز بها:

هو يجيد الانجليزية

متخصص دراسياً في علم النفس. ويحب هذا المجال

لديه ذكاء حاد

لديه القدرة على العمل لساعات طويلة

يتمتع بروح التحدي

لديه استعداد للتعلم واكتساب مهارات جديدة

يحب القراءة والاطلاع.

ولكي يكون موضوعياً مع نفسه، قام أيضاً بجرد نقاط الضعف والتي كانت كالتالي:

المنافسة في المواقع الانجليزية صعبة للغاية

ما ينوي كتابته في موقعه من مقالات في مجال تطوير الذات، والتغلب على بعض المشاكل النفسية، كتب الاف المرات بواسطة خبراء متخصصين أكثر احترافا منه، فمنهم أطباء نفسيين ومنهم من يحملون شهادات الماجستير والدكتوراه في هذا المجال.

نعم هو يجيد الانجليزية لكنها ليست لغته الأم بينما المنافسين لغتهم الام هي الانجليزية فهم يعرفون أسرارها ويستطيعون استخدام كلماتها وصورها واستعارتها وسجعها وكناياتها بكل اريحية وثقة.

لا يملك ميزانية لتسويق موقعه بينما يقوم المنافسين بتخصيص مئات الألاف من الدولارات نظير ذلك

ليس لديه علم ببرمجة أو تصميم أو اشهار مواقع الويب

لا يوجد أحد من أصدقائه يرغب في التعاون معه

وبعد دراسة عوامل الجذب (نقاط القوة) وعوامل المقاومة (عناصر الضعف) أنتهى الى أن يطبق اربعة مبادئ:

مبدا الجمال:

أدرك أن تصميم الموقع يجب أن يكون جميلاً، والجمال يكمن في البساطة، والبساطة تأتي في منزلة وسطى بين التواضع والبهرجة، أدرك أن موقعه سيقوم على المحتوى، لذا يجب أن يوضع المحتوى في قالب جميل، بحيث تسهل قراءته، وترتاح النفس له، ولا تمل العين من النظر اليه، وقد كان.

مبدا الاستمرارية:

صمم أن يقوم بتحديث موقعه بصورة دائمة وذلك بنشر مقالا واحد على الأقل يومياً، صمم ان لا يمر يوماً دونما نشر مقالاً جيداً، قيماً، فريداً في محتواه.

مبدأ التنوع:

قرر أن يحتوي موقعه على مئات المقالات المفيدة التي تغطي مشكلات وقضايا متنوعة، مقالات شيقة، تستند الى علم ودراسة لا على تخمين أو أهواء شخصية.

مبدأ المصلحة:

أدرك فاروق رضوان أن من يقوم بإنشاء موقع على الانترنت يهدف إما الى تحقيق شهرة، أو تحقيق مال، أو مشاركة الأخرين ما لديه من معارف وخواطر، فحدد هدفه من البداية، كان هدفه هو إنشاء موقع من أجل ربح المال كمرتبة أولى ثم بعد ذلك يأتي في الترتيب الشهرة ومشاركة العلوم.

أدرك ايضا أن المال لا يأتي من تلقاء نفسه، بل يأتي بالعمل وتقديم كل ما هو قيم، أدفع تأخذ، كافح تنجح، قدم لي ما يستحق، أقدم لك مالي، معادلة منطقية ومعروفة لنا جميعاً. أليس كذلك؟

شرع فاروق رضوان بتنفيذ هذه المبادئ الأربع بحذافيرها، ومرت أيام أخرى طويلة من العمل الشاق المتواصل، وبعد مرور عام أخر من نشر مئات المقالات المكتوبة بحرفية ودقة، لم يتمكن فاروق من تحقيق أي عائد يذكر، اللهم إلا بضعة دولارات كل شهر أو شهرين، بالرغم من ذلك ظل محافظاً على ثباته وتفاؤله وإن كان الخوف والتوتر بدا يعظم قليلاً في نفسه.

حقاً لم يحقق فاروق أي ربح مادي ملموس طوال المدة الماضية، لكن بالرغم من ذلك اكتسب خبرة كبيره في مجاله، جعلته يتعلم مهارات لم يكن يعرفها، وأسرار لم يكن ليدركها إلا بالعمل الجاد المتواصل.

هذه الخبرات وتلك المهارات جعلته يدرك أنه ارتكب أخطاء شنيعة كان يمارسها طوال الأشهر الماضية، تلك الأخطاء هي التي ساهمت في تأخر نجاحه المنشود، وضع فاروق رضوان يده على هذه الأخطاء والتي كانت كالتالي:

أنه كان ينشر مادة قيمة ومفيدة في مدونته لكنها كتبت بلغة اكاديمية صعبة كان يقلد فيها منافسيه، فقرر فاروق أن يكون له أسلوبه المميز وألا يجعل مراقبته لمنافسيه عامل من عوامل الفشل، فعدل فاروق من هذه الطريقة وبدأ يكتب بلغة بسيطة مفهومة للجميع.

كان فاروق رضوان يكتب للناس فقط ونسى أنه يكتب في موقع إلكتروني وأن عليه أن يكتب للناس ولمحركات البحث أيضاً، فالكتابة في المدونات تختلف عن الكتابة في الصحف والمجلات، فبدأ فاروق يعدل من هذه الطريقة بعمل موازنه بين قرائه من البشر وقرائه من روبوتات البحث الصماء.

لذلك فقد علم نفسه كيفية إشهار المواقع، وكيفية تحسين مقالاته لتلائم محركات البحث واكتشف اسرار عظيمة وقيمة في هذا المجال جعلته يحتل المرتبة الاولى في محركات البحث في الكثير من الكلمات الدليلية، هذه الاكتشافات والاسرار نشرها بالتفصيل في كتاب له باللغة الإنجليزية.

أدرك فاروق أنه كان يرتكب خطأ اخر لا يقل خطورة عن خطئه السابق، فقد كان يكتب عما يعتقد أنه مفيد ومهم، لكنه أدرك أن المفيد والمهم من وجهة نظره ليس بالضرورة أن يكون مفيد ومهم من وجهة نظر الأخرين، فبدأ يبحث عما يريده الناس ويكتب عما يهم الناس وليس عما يهمه هو. وفي هذا السياق يقول:

أنا لم أغير مبادئي حينما غيرت مسار كثباتي ليلائم ما يبحث عنه الناس، بل أعدت صياغة ما أحب، وذلك لكي أكون مرناً بطريق تمكني من فهم وجهة نظر الأخرين التي قد تتفق أو تختلف مع وجهة نظري

وبالفعل بعد تدارك هذه الاخطاء وفي زمن وجيز لا يتعدى الستة أشهر لاحظ فاروق رضوان زيادة مفاجئة في عدد زوار مدونته، وبعد أن كانت المدونة تحقق 8 سنت في اليوم خلال عام 2006 أصبحت بحلول عام 2008 تحقق عدة ألاف من الدولارات شهرياً، ولم يكتمل عام ونصف حتى أصبح فاروق رضوان مليونيرا من مليونيرات الانترنت، ومازال النجاح مستمراً…

واكاد أجزم أن الذين كانوا يتهكمون عليه من قبل والذين كانوا يسخرون منه أدركوا الآن أن العمل الجاد سواء في الواقع أو من خلال الأنترنت له عائد مادي ملموس، أعتقد أن الذين خذلوه الآن قد أدركوا أن أجهزة الكمبيوتر الصماء في مقدورها أن تخرج خبزا وشعيراً وجاتوهاً ايضاً، وأنها قادرة أيضاً على المساهمة الفعالة في انجاح ثورات شعوب عظيمة كثورات شعوبنا الأبية.

عزيزي القارئ هل أنت متحمس الآن؟ هل تفكر جدياً في أن تصبح مثل فاروق رضوان؟

الحماس شيء جيد، وما كتبت عن قصة النجاح هذه الا لتحفيزك وتحميسك عزيزي القارئ، لكن هناك فرق كبير بين الحماس الغير عاقل الذي تنطفئ جذوته سريعاً وبين الحماس الموجه الذي يدوم حتى النهاية.

أشعر أن من الواجب على أن اكبح جماح حماسك الآن حتى لا تقدم على تطبيق ما ذكرناه في هذا المقال بلا وعي وبلا تخطيط معتمداً على العاطفة وحدها، قد يتسبب هذا في ضياع وقتك ومجهودك سدا، ولكي أكمل ما كتبناه في هذا المقال علي أن أوضح لك كيفية تطبيق ما ذكرناه هنا بطريقة مدروسة وأكثر حكمة.

كيف تطبق قصة النجاح السابقة على نفسك؟

عزيزي القارئ، أنا لا أعرف بالضبط قدراتك ومهاراتك وظروفك المادية أو الاجتماعية لذا سأتناول اربعة احتمالات ستغطي ظروف قاعدة عريضة من الناس، كن موضوعياً مع نفسك واعرف أي احتمالية تشير اليك:

الاحتمال الأول: أن تكون شخص يجيد الإنجليزية تحدثاً وكتابة:

هذا جيد إذا كنت من هؤلاء فهيا لا تتردد، قم بدراسة الموضوع جيداً وضع خطة عمل لنفسك، ثم اختار موضوعاً تحبه، بعد ذلك أنشئ مدونتك الانجليزية، لكن يجب أن تدرك أن موضوع الربح من المدونات يستغرق وقت طويل وجهد كبير، فإن كنت من أصحاب النفس القصير فمن الأفضل ألا تقدم على هذه الخطوة حتى لا تضيع وقتك ومجهودك

أذهب ألى موقع فاروق رضوان – من هنا– وابحث في اسفل الصفحة عن كتاب له بعنوان (how I did it)،أوصي بشدة أن تقرأ هذا الكتاب قبل أنشاء مدونتك، فهذا الكتاب يحتوي على أسرار و تجارب وخبرات قيمة ستوفر عليك ما ضيعة فاروق من وقت في بداية مشواره وما يمكن أن تضيعه أنت أيضاً.

ملحوظة جانبية: لا تنظر الى موقع فاروق رضوان في صورته الحالية … فموقعه في البداية لم يكن بهذا التطور بل كان بسيطاً للغاية، أبدأ بسيطا وبعد أن تحقق عائد طور نفسك تدريجياً.

الاحتمال الثاني: أن تكون شخص لا يجيد الإنجليزية بالمرة لكن تملك مهارات حاسوبية أخرى:

إذا كنت لا تجيد الانجليزية لكنك تجيد مهارات اخرى مثل برمجة المواقع أو التصميم أو التسويق، فلماذا لا تسعى إلى تكوين فريق عمل، وتبحث عن أشخاص يكملون ما لديك من نواقص.

أعلم أن تكوينك لفريق عمل محترف أمر صعب، لكنه ليس مستحيل، بقليل من الجهد والبحث تستطيع أن تجد ضالتك، المهم أن تبدأ الآن ولا تستسلم ل “سوف”، واعلم أنك إذا نجحت في تكوين فريق عمل جيد ستكون نسبة نجاحك أكثر وأسرع وأضمن من الذين يعملون بمفردهم مهما كانوا محترفين.

الاحتمال الثالث: أن تكون شخص لا يجيد الإنجليزية ولا تملك أي مهارات حاسوبية لكن في الوقت نفسه لديك قدرة مالية:

قد لا تجيد الانجليزية أو مهارات الكمبيوتر لكن إذا كان معك مبلغ من المال تريد استثماره فلماذا لا تبحث أنت أيضاً عن فريق عمل جيد؟! لكن عليك أن تكون ذو عقلية إدارية جيدة، وأن تسعى الى إقناع أشخاصاً تعرفهم جيداً، يفضل أن يكونوا من مدينتك أو الحي الذي تعيش فيه، لا تثق كثيرا في التعامل مع الناس من خلال الانترنت.

الاحتمال الرابع: أن تكون شخص لا يجيد الانجليزية ولا تملك مهارات حاسوبية وليس لديك قدرة مالية:

إذا كنت لا تنتمي لأي فئة مما ذكرناهم سابقاً، فلا تقلق لكل مشكلة حل بإذن الله، هناك خياران اختر منهما ما يلائم ظروفك:

الخيار الأول: أن تبدأ من الصفر وتتعلم الإنجليزية

وهذا الاختيار يحتاج منك خطة عمل طويلة الامد قد تستغرق أربعة سنوات، وقد تمتد هذه الخطة لأكثر من ذلك وقد تقصر، الأمر يتوقف على قدراتك وجهدك وقوة تحصيلك، أظنك عزيزي القارئ تتمتم الآن في نفسك ” هذا الاختيار لا يصلح لأنه طويل وممل”

سأجيبك بكل بساطة، من فضلك أنظر الى الجانب الإيجابي لهذا الخيار، أرجوك حاول التخلص من الصورة السلبية المرتبطة به، فأنا أعلم تمام العلم أن هذا الاختيار هو الأصعب، ويكلف كثيرا من الوقت والجهد، لكنه الافضل على الاطلاق لأنك على فرض أسوء الاحتمالات ستخرج بعد ممارسته رابحاً لا محالة، لأنك ستتعلم مهارة ولغة جديدة، وهذا بالطبع سيفيدك كثيرا في حياتك العملية.

الخيار الثاني: أن تطبق الفكرة المستنبطة من قصة نجاح فاروق رضوان على مجال أخر تحبه:

ليس معنى أني ذكرت لك قصة نجاح شخص صنع صاروخاً ان تحاول أن تقلده وتصنع صاروخاً مثله، ففاروق لأنه يجيد اللغة ومتخصص في علم النفس فقط أنشئ مدونة الكترونية تتناسب مع قدراته، ليس معنى ذلك أنك يجب أن تنشئ مدونة انجليزية مثله لكي تصبح مليونيراً، لما لا تحاول تطبيق قصة نجاحه في مجال اخر تحبه، تدبر ملياً قصة النجاح الخاصة بفاروق واعرف كيف نجح وطبق الخطوات التي قام بها على مجال تحبه:

فاروق بدأ مشروعه بفكرة … إذاً ابحث انت ايضاً عن فكرة

ثم بدا يخطط لتنفيذ الفكرة … إذاً خطط أنت أيضاً

ثم قام بمعرفة عوامل القوة وعوامل الضعف الكامنة … أفعل أنت ايضاً

ثم بدأ يطبق خطته … هيا لا تتردد أنت أيضاً

ثم تحمل الصعاب … تحمل انت أكثر منه

ثم تعثر كثيرا وسقط … توقع ذلك أيضاً

ثم تحمل وقاوم … افعل انت ايضاً

ثم واصل … واصل انت ايضاً

ثم نجح … ستنجح أنت ايضاً إن شاء الله

يمكنك تطبيق الخطوات السابقة على شيء تحبه، ابحث عن فكرة، ثم خطط لتنفيذها، تعرف على نقاط القوة والضعف فيك، ثم أبدا بالتنفيذ ولا تستسلم للتسويف، تحمل الصعاب التي ستواجهك، ستخسر لكنك في المقابل ستتعلم، واصل حتى تكتب …

قصة نجاحك أنت…