تطرقت قبل شهر في موضوع كتبته للمجاملة و كيف أني غيرت طريقة تعاملي مع الآخرين. هذا الأمر لم يكن سوى نتيجة مراجعات ذاتية، أي مع نفسي من أجل تغيير نظرتي لكثير من المسلمات التي تربى عليها كل الناس في المجتمع. لا أتحدث هذه المرة عن علاقتي مع الآخرين، بل علاقتي مع نفسي و بالتالي أجد انعكاس هذا على الآخرين، لكن الأساس علاقتي مع نفسي.

مثلما نعرف أن تعريف الإيثار هو تقديم الشخص الآخرين و تفضيلهم على نفسه. تعريف لا يختلف عليه أحد، و لا حاجة للخوض في التفاصيل. من القصص الخيالية التي تذكر في الإيثار، قصة جنود أصيبوا في وسط المعركة. لما أتى المسعف كي ينقذهم، و ذهب للأول فآثر الثاني، و ذهب للثاني فآثر الثالث، و ذهب للثالث فآثر الأول و في النهاية ماتوا جميعاً. أذكر من جديد، القصة خيالية و قد عرفتها من أحد المقاطع في يوتيوب.

لو نرجع للقصة، نجد أن لا أحد قد استفاد، كلهم خسروا، الجنود ماتوا و المسعف أضاع وقته و ربما عرض حياته للخطر و لقي حتفه هو الآخر. مضحك أن القصص الخيالية التي تروى من أجل مدح، تتحول لذم، و تكون هذه القصص أقرب للواقع الذي نعيشه كل يوم. ما الذي تغير هذه المرة؟ اهتمامي بشؤون الآخرين صارت تقترب من الصفر، و اهتمامي بنفسي بات الأمر الوحيد. لا يمكنني أن أهتم بنفسي و بالآخرين في آن واحد. الاهتمام بالآخرين يفرض في أغلب الأحيان التضحية، و التضحية هنا خسارة بالكامل، لا فائدة تعود علي أبداً. اهتمامي بشؤون الآخرين معناه حمل زائد يثقل كاهلي، مع أني لم أكن يوماً مضطراً لحمل كل هذا معي.

مقابل الإيثار في عرف الناس حب النفس لدرجة الأنانية، لكن حب النفس يجعلنا نعمل جاهدين من أجل أن نفعل الأفضل. حب النفس يجعل العامل يعمل أفضل حتى يحصل على راتب أعلى، لكن حب العامل لنفسه يفيد المؤسسة التي يعمل بها. الأمثلة كثيرة ولا حاجة لذكر أكثر من هذا، لكن حب النفس يجعلنا نتقدم أكثر، أما غير ذلك، مجرد تنظير فوق التل.