بدايةً , هذا الموضوع ليس سياسياً و إنما يحكي سلوك المجتمعات الإنسانية في بناء أوطانها و كيف يستطيع الإنسان بناء حضارة يشهد لها التاريخ تجعل من بقعة جغرافية منارة للعلم و رافد مؤثر في حياة البشرية .

دعونا نرجع للخلف قليلاً , لو تصفحنا تاريخ تاريخ مصر الطويل منذ 4 آلاف سنة سوف نجد مراحل متعددة مرت بها مصر ما بين نزول و ارتفاع في أوضاع البلاد , ففي بعض الحقب الزمنية كانت مصر تعد من البلدان التي شهدت على أرضها عدة حضارات بشرية مميزة لا زال يضرب بها المثل حتى اليوم , هذه الحضارات نشئت و غابت بسبب ظروف معينة .

سوف نرى في تاريخ مصر أن أغلب من حكمها سياسياً هم شخصيات أجنبية ليست بمصرية بدءً بالفراعنة الذي أثبتت الدراسات أنهم أثيبوبيين مروراً بالفرس و البيزنطيين و العرب و الايوبيين الكرد و الأتراك و المماليك و انتهاءً بالمقدوني علي باشا و أبنائه .

خلال حكم هذه الشخصيات الأجنبية أصبح لمصر قوة مؤثرة تجاوزت حدودها الجغرافية , هذه القوة تشكلت على أوجه مختلفة من العلوم الطبيعية و الدينية و الزراعية و الاقتصادية و السياسية أو بما يسمى بالحضارة .

أما الفترات التي حكم فيها المصريين مصر , و على سبيل المثال سنة 52 عندما أطاح العسكريين بحكم الملك فاروق أداروا البلد بطريقة الطوارئ , فقاموا بتعزيز الولاءات لهم و السيطرة على الدولة بكافة تفاصيلها و كأنهم قطاع طرق مستعجلين يريدون سرقة ما يمكن سرقته و المغادرة في الوقت المناسب , فأصبحوا ملزمين باستخدام السوط على الرعية حتى يخضعوا و يستسلموا لهم , و أصبح نمط حكمهم مبني على الخوف و الحذر من أي طرف يزعزع هذه السيطرة .

دعونا نبتعد عن مصر قليلاً , يقول الحموي في معجمه يصف بلاد خراسان بأن " أهلها أصحاب صنعة و حرفة و لقد استفاد منهم الجيش الاسلامي في تعزيز قوته " , و يقصد بها أنهم كانوا متمكنين في الصناعات و الحرف .

و أضيف عليه : أن الفرس استفادوا من خراسان قبل المسلمين العرب في تعزيز قوتهم و بناء امبرطوريتهم .

لو لاحظنا تاريخ خراسان سوف نجد أنها تشبه مصر فأغلب سنواتها الذهبية كانت تحت حكم شخصيات و دول أجنبية

و هذا الأمر لا يحدث صدفة , و هذا لب الموضوع الذي أريد أن أتكلم عليه .

حديثنا يدور حول التكامل البشري بين المجتمعات و الأفراد فهناك مجتمعات تتميز بصفات مميزة لا توجد عند آخرين و رغم تميز هذه المجتمعات إلا أنها لا تستفيد من هذه الصفات المميزة , فقد ضربنا المثل بأهل خراسان و هو أنهم أصحاب حرفة و صنعة متميزين و هذه الصفة ليس من السهل الحصول عليها في مجتمعات آخرى , لكن واقع أهل خراسان في بعض الحقب الزمنية يقول غير ذلك فهناك سنوات طويلة تعتبر بلدهم خرابة حتى أهلها لا يتحملونها .

السبب من وجهة نظري هي نوعية ما يتميز به كل مجتمع ما بين المهارات القيادية و الصناعات و الحرف .

فعلى سبيل المثال لو أطلعت على الشريط الممتد من حدود الصين أوزباكستان مروراً بخراسان و العراق و الشام و مصر إلى بلاد المغرب العربي , سوف تجد أن أغلب من حكم هذه البلدان هم هذه العرقيات و المجتمعات التالية :

1- المغول : من منغوليا

2- الأفغان : من فرغانة

3- الفرس : من مدينة الري ( طهران)

4- الاكراد

5- الترك

6- العرب من الجزيرة العربية

7- الأمازيغ : من المغرب

هذه العرقيات و المجتمعات تكاد هي المسيطرة على هذه البقعة الجغرافية المترامية الأطراف و صنعت دول ذات تأثير قوي تشكلت منها حضارات استفادات منها البشرية .

لو تابعت التاريخ الهندي سوف تجد أن الأفغان و المغول و العرب تناوبوا على السيطرة عليها , فقصر تاج محل و المسجد الأحمر و أبرز المعالم المشهورة في الهند اليوم قام ببنائها المغول و ليس الهنود , أيضاً الدول الهندية و الملوك لا يصمدون أمام هذه العرقيات و المجتمعات القوية القادمة من خارج الهند فهي أقوى منها في القيادة .

لكن هذه العرقيات و المجتمعات المتميزة في القيادة هي فاشلة في الحرف و الصناعة و تحتاج لمن يساندها من الطرف الأخر , فعندما يستقل كل طرف لوحده ينشئ عن ذلك مجتمعات متخلفة هامدة غير مؤثرة و تصبح رهينة للمجتمعات القوية .

لذلك يجب أن تقتنع المجتمعات المتميزة في الحرفة و الصنعة بأن يديرها أشخاص من مجتمعات و عرقيات ( قيادية ) إذا أرادت أن تتحول لحضارة , أيضاً على المجتمعات و العرقيات القيادية أن تتفهم أنهم من دون أصحاب الحرفة و الصنعة لن تكون متميزة .

و الأمثلة كثيرة على ذلك , فادنبرة عاصمة اسكتلندا كانت مسقط الكثير من العلماء و الأدباء المتميزين لكنهم تم تصنيفهم على أنهم إنجليزيين بريطانيين بحكم القوة القيادية التي يتميز بها أهل دوقة يورك في انجلترا الذين قاموا ببناء الامبروطورية البريطانية ذات الـ 500 عام .

لذلك فالمجتمعات و الأفراد يحتاجون للتكامل مع بعض, فأنا أعطيك ما هو فائضاً عندي و تعطيني ما أنا بحاجةً إليه , بهذا تنمو المجتمعات و تتميز .

في الفترة الحالية أصبح هناك العولمة و التبادل الثقافي و التجاري و الاجتماعي بين المجتمعات العالمية , و هذا قد يخفف من قلة التكامل البشري بين المجتمعات لكنه غير كافي , فإذا لم تكن هناك سيطرة و لو بسيطة لهذه العرقيات و المجتمعات المتميزة فإنه لن يحدث أي فارق , و هذا بالطبع لا يحدث في دولة تحكم بالنار و الحديد و تخاف من القريب فما ظنك بالبعيد .

الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أحسن نموذج للتكامل البشري خلال المئة السنة السابقة , سمحت لأغلب الجنسيات بالحصول على جنسيتها فصنعت مجتمع مختلط من عرقيات و مجتمعات تتميز بصفات متميزة و مختلفة استطاعت التكامل مع بعض فنشئت أقوى دولة في الوقت الحالي في جميع المجالات .

الأمر لا يتوقف على كسب المهارات الصناعية و الحرفية أو القيادية ( لا ) , الأمر برمته له علاقة بالجينات و تأثيرها في المجتمعات و العرقيات التي تمتلك هذه الصفات .

خلاصة الأمر , لا يتوقف المثال على مصر فقط فالعراق يعتبر نموذج مشابه لمصر فأغلب فتراته لم يحكمه عراقيين و إنما من شخصيات و دول أجنبية . و كذلك الشام و المغرب مع الأمازيغ و غيرهم

و الأفراد لا غنى لهم عن هذا التكامل البشري فربما زوج/ة تغير حياتك , أو صديق يجعلك شخص آخر أو شريك في مشروع يصنع منك قوة ضاربة .

هل تعتقد أنك بحاجة لشخص يدخل حياتك فيجعلها متميزة ؟

أو أنك ترى أن مجتمعك بحاجة لشخص يمتلك صفة القيادة ؟