في مقابلة صحفية مع السياسي الروسي أناتولي تشوبايس والذي أرتبط اسمه بفضائح إقتصادية، ولكن لا يهم، قال عن دوستويفسكي: (١)

I’ve re-read all of Dostoevsky over the past three months. And I feel nothing but almost physical hatred for the man

لقد قرأت كل كتابات دوستويفسكي طوال الثلاثة أشهر الماضية، ولم أشعر إلا بالكره الشديد لهذا الرجل.

بل برر ذلك بقوله:

أود تقطيع دوستويفسكي لفكرته عن الروس كشعب مميز ومتدين -أو مقدس-، ولعبادته للمعاناة وتقديسه لها وللخيارات الخاطئة التي يمثلها في رواياته.

بعيدًا عن أن سعادته يبدو شبه متفرغ بشكل مطلق لقراءة أعمال دوستويفسكي في ثلاثة أشهر، بينما أستغرقت تقريباً عامًا لإكمال الجريمة والعقاب، لكن لا يهم، الأهم هو أن بعض الروس يكرهون فعلًا هذا الرجل -دوستويفسكي وليس السياسي فهو مكروه من الجميع-، ولكن لأية أسباب؟

يعتمد النقد الموجه لدوستويفسكي على نقطتين: أسلوبه السيئ، أو الغير جيد بدرجة كافية، ويظهر هذا النقد أحد أعظم الكتاب "إرنست همنجواي" عندما قال في روايته "الوليمة المتنقلة":

كيف يمكن لرجل الكتابة بأسلوب سيئ بشكل لا يصدق، ورغم ذلك يجعلك تشعر بالعمق

لا يخفى على أحد أن أسلوب دوستويفسكي لا يقارن بأسلوب تولستوي مثلًا، ولكن أيضًا لن نقارن بين الحياة التي عاشها دوستويفسكي لاهثًا خلف لقمة العيش مما اضطره أحيانًا للإسراع في إنهاء رواياته، ورجل مثل تولستوي بدخل مريح من كتاباته ولا يحتاج للإسراع من أجل ناشر أو غيره، لكن رغم ذلك فليس الأسلوب هو من يجذب قراء دوستويفسكي، بل قدراته السيكولوجية العجيبة، والمشاعر التي يستطيع إيصالها إليك من أعماق النفس الأنسانية، أعماق يراها أحيانًا شديدة السوداوية، وهذا ما يوجهنا للنقد الثاني.

النقد الثاني يوجه لما تحتويه رواياته من شخصيات مذنبة شديدة الذنب، كلما تغوص في الذنب أكثر تقترب من الخلاص أكثر بعد المرور بعذاب ومعاناة وآلام وأحزان، وهو أسلوب شائع في روايات دوستويفسكي، بدءًا من راسكولينكوف في الجريمة والعقاب الذي قتل المرابية لاثبات وجهة نظره، وشخصية سفيدرجالوف التي تحرشت بأخته.

البعض يقول أن كتابات دوستويفسكي قدمت صورة منحرفة للروس مثل الكاتب المشهور مكسيم غوركي حينما كتب :

Dostoevsky surely is a genius but an evil one. He felt, understood and portrayed with pleasure two sicknesses of a Russian man nurtured by our ugly history…the sadistic violence of a nihilist who’s lost faith in everything and the masochism of a downtrodden creature…but this is not everything that we have, there is something more than beasts and thieves inside us! And Dostoevsky saw only them

دوستويفسكي عبقري بلا شك، ولكنه من النوع الشرير، لقد شعر وفهم وصور باستمتاع اثنين من أمراض الروس الناتجة عن تاريخنا القبيح: العنف السادي لعدمي فقد الإيمان في كل شيئ، ومازوشية مخلوق مضطهد....ولكن ليس ذلك كل ما نملك، هنالك شيئ أفضل من الوحوش واللصوص بداخلنا، ودوستويفكي لم ير سواهما!!

لم يكن مكسيم غوركي وحده من يرى ذلك، فالروائي فلادمير نابوكوف قال عن كتاباته أنها "معرض لشخصيات مكون خصوصًا من المجانين والمصابون بأمراض عصبية"(٢)

وأضاف لذلك كرهه لوصف دوستويفسكي أوروبا الغربية بالأنانية والالحاد بينما جعل روسيا بلد مقدس يسعى لتخليص العالم عن طريق المسيحية الأرثوذكسية، وظهر ذلك في رواية دوستويفسكي "الشياطين" حينما قال : "لبراليتنا إمعة قبل كل شيئ، تلهث فقط خلف الأحذية لتلميعها"، ومن الجلي لكل قارئ لدوستويفسكي كيف يصور تدين الشعب الروسي وشخصيات الأوروبيين الغربيين الإنجليز والفرنسيين.

ولكن رغم كل تلك الإنتقادات، يبقى دوستويفسكي أحد أشهر وأعظم الكتاب، فلا يهم القراء أن يكون شاعرًا في أسلوبه، ولا يهمهم أن يكون مسيحيًا مخلصًا، بل هم معجبون بشخصياته التي تقترب من واقعهم فتكشف لهم الكثير من خفاياه، خفايا النفس البشرية، قد يلومه البعض على أنه لا يرى في النفس البشرية إلا السوء، ولكن ألا نرى نحن ذلك أيضًا في واقعنا المعاصر؟ إنه عبقري من النوع الشرير، وأعتقد إذن أن الناس يفضلون الأشرار، ربما ببساطة لأنهم أكثر واقعية.

النهاية.

المقال مستوحى من هذه المقالة:

_________________________________

١-

https://www.ft.com/content/...

٢-

https://www.nytimes.com/198...