أوصفوني بالرجعيه ومرحبا بالتسليب .. ولكنني حقيقة مندهشة ومستغربة من كمية الترحيب بالافطار العلني في رمضان, أكثر من ذلك أنا منذهله من الحجج المليئة بالمغالطات أولاها ربط رفض المسلمين للافطار العلني برفض الغرب للحجاب او لبناء مسجد.

لو قلتم لي قبل أن أرى هذه التعليقات أن المسلمين قد يسلمون هويتهم على طبق من ذهب لما صدقت ولظننت كما الحال دوما أنهم فعلوا ذلك أما اضطهادا أو ما اشبه .. ولكن ان أسمع أن اجواء الشهر الكريم وقدسيته ذهبت مع الرياح هكذا تسليما من المسلمين فهذا في نظري انتقاص متعمد من المسلمين للاسلام بالنسبة لي ماحدث نموذج للاسلام المنقوص .

الكثير من الامور الظاهرة خصوصا في الاسلام أصبحت منقوصه لحد كبير .. العلمانية والرؤية الغربية لما يجب للعالم ان يكون عليه تحاول باستمرار ان تضع الدين في بيتي وبيتك فقط ثم في قلبي وقلبك فقط لا أكثر .. تحاول باستمرار أن تضع الدين في أي رقم إلا رقم واحد ! وان تضع الهوية الدينية أقل من أي هوية أخرى .. وهذا بطبيعه الحال يتناقض تماما مع طبيعه الهوية الاسلامية بالتعريف ومع فطرة المسلم ولا أرى شخصيا أن اي توفيق بين تلك الرؤية وطبيعه المرء المسلم ممكن إلا بشكل ينتقص من الهوية المسلمة نفسها!

لأن المسلمين يضعون كل شيء في الحياة في أي رقم عدا الرقم واحد المحجوز بشكل أبدي للاسلام, لا عرق ولا لغة ولا هوية ولا انتماء لبلد ولا اي من غير هذا أهم من الاسلام لدى المسلمين.

الامثلة على الامور المنقوصه أو المنتقص منها والتي ستستمر في أن ينتقص منها حتى يرضى الغرب كثيرة .. ابسط مثال الحجاب وكيف تغير كثيييييرا ليصبح "عصري" أكثر هذه الاخيرة التي لاتعني اكثر من "متقبل أكثر من العالم الغربي .. يشبههم أكثر .. يثير حفيظتهم بشكل أقل .. سمها" , موضوعنا ليس فقط الحرية الدينية والصيام بامكانك ان ترى بوضوح آثار احتلال فكري "ضعوا الدين آخر كل شيء .. لان الدين شخصي جدا وليس معمما" وكلنا نعرف من اين جائت هذه الافكار لذلك لا أرى داعيا لشرح لماذا أنا ادخل موضوع الغرب في كلامي.

نحن محتلون في دواخلنا كثيرا جدا لدرجه اننا لا نعي الأمر حتى ولا نتقبل اي حل او نموذج غير النموذج الغربي .. اكاد اسمع نصف الناس هنا يقولون : اذا محى النموذج الغربي الهوية الدينية ومنعها من ان تكون فوق اي شيء فيجب ان نمحيها نحن ايضا ونمنعها من ان تكون فوق اي شيء حتى لو كان الدين نفسه هو ماسيكفل لكل الفئات الاخرى حريتها ويوفر لها ماتحتاج .. فقط ان كان معاكسا لشكل الحرية الدينية التي يقترحها الغرب فمعنى الأمر أنها ليست حرية .

والله!

كل هذا قادم من الانتقاص المستمر لاهمية الدين ووضع الدين بشكل مستمر في اي رقم غير الرقم واحد .. حينما فعلت الاجيال قبلنا نفس الشيء الذي نفعله الآن وقامت باستمرار بطمس الهوية الاسلامية ووضعت مكانها هويات اخرى سمها انت سواء بسبب المحتل او باسم التقدم أصبحنا نرى فعلا ان لامكان للهوية الاسلامية بعد الآن وانها فعلا ليست بتلك الشمول او غير مرضية بشكل كافي فوضعناها في أي مكان آخر إلا الصدارة .. لانها كما يبدو لم تنفعنا .. او ربما جعلتنا غريبين ومنفصلين عن العالم الذي يبدو أكثر وأكثر وكأنه يشبه بعضه البعض أو يتبع نظاما واحدا .. ونحن فقط .. "تخلفنا عنه".

استطيع ان اقول ان العالم الغربي ترك دينه خلفه لما خذله .. ونحن تركنا ديننا خلفنا لما فشلنا في تطبيقه ولما كنا أضعف من أن نقف باختلافنا في وجه عالم يريد ان يكون متشابها تماما ليسهل إدارته !!

مثير للسخرية أن ذات الاشخاص الذين يروجون علنا للاختلاف يرفضونه أيضا علنا ولكن لا احد منتبه! .. او ربما لم يكن لديهم شيء غالي ليخسروه في تلك الصفقه التي ستجلب لهم المنفعه .. عكسنا!

لو كان ديننا قد خذلنا فانه قد خذلنا لاننا خذلناه .. وهذا الخذلان من طرفنا وضعنا في موقف محرج للغايه امام العالم .. لانحن نشبههم .. ولانحن نستطيع ان نقف امامهم بنموذجنا لاننا خجلون منه!

الموضوع حقيقه أكبر من افطر برا أو جوا .. الموضوع انتقاص لهوية دينية .. محاولة للتقليل من اهميتها او طمسها ورفض لها ولشخصيتها الطاغيه بطبيعتها .. قد تعتقدون أنني ابالغ ولكن الامر ليس كذلك !

لو جاء مفطر بعذر أو لكونه غير مسلم إلى بيت اي مسلم لأوجب عليه إكرامه .. واحزنني كثيرا ربط شعور الصائم بالجوع برفض الافطار علنا وهو لايعبر الا عن جهل صاحبه او عن رؤيته للصيام كجوع او للشهر كشهر صيام عن الطعام فقط.. ولكنني أريد ان اقول ان حرية غير المسلم مكفولة تماما ولو صادف عيد مسيحي رمضان لجاز لهم الاحتفال فيه بيننا ومعنا .. عدى عن ذلك لن نعتذر لأي أحد على كون شعائرنا ظاهرة وبارزة جدا ورمضان كشهر مقدس يعني لنا أكثر من مجرد الامتناع عن الطعام! .. بصدق أتمنى أن لانخسر هذا الشهر الجميل الذي هو واحده من الاوقات تكون هويتنا الدينية فيها ظاهرة جدا صوريا وهذا الظهور قوي جدا وتأثيره على النفس أقوى من اي وعظ ! وانا متأكدة ان تجربه غير المسلم في بلد مسلم يعرف الناس فيه معناً لرمضان غير الجوع ستكون جميلة جدا!

المطالبة ليست فقط بالسماح بافطار علني المطالبة بشكل تدريجي ستمحو هوية الشهر وقدسيته تخيلو فقط ماسيكون عليه رمضان بعد كل ذلك الانتقاص ؟

لو استمررنا كجيل بفعل مافعلته الاجيال السابقة فسنتسبب للاجيال القادمة بمعاناة أكبر من تلك التي نعيشها الآن وبمشاكل أضعاف ما نواجهه الآن والله .. وللاسف أقولها لن يتمكنوا حتى من معرفه ما اصابهم كما اننا اليوم لانعرف ما اصابنا !.. ولكننا بأي حال لن نملك الحق في مكافحة او مقاومة مافعلناه بهم .. بانفسنا .. لاننا سلمنا كل شيء طوعا !

سماحنا اليوم للافطار علنا في شهر رمضان قطعا لن يقف عندها .. قطعا! لاتنظروا للأمر كأنه شيء مفرد بل هو جزء من انتقاص مستمر لكل ماهو ظاهر في الاسلام الذي بالنتيجه .. سيؤدي لمحو ماهو باطن -وهو الحاصل فعلا-.. الله العالم كيف انتقصت ثقافة وقت الصلاة من وقت يقفل فيه كل شيء ويصبح وقت صلاة فقط - حتى لو لم يصلوا - الى غير ذلك .. القليل من السماح لكل شيء بأن يبقى مفتوحا حتى اثناء الصلاة .. بعد مدة تصبح الصلاة علنا على المكرفون مزعجه فيتم الاذان فقط على المكبرات والباقي داخل المسجد .. بعد ذلك الله العالم ماذا ! وكله بامارتنا وتحت اعيننا.

هذا يجب ان يتوقف .. ولن يتوقف حتى نصبح واعيين ونتعرف ونتحسس المشكلة التي نحن فيها .. اي دعاء للنصر او اي دعاء لتحسن الاحوال لن يستجاب لاننا خذلنا انفسنا اولا وجلبنا البلاء على اطفالنا الذين نلوم الله بما يُفعل بهم .. هذا البلاء لن يتوقف حتى نكون صادقين مع انفسنا ونعيش النموذج الانسب لنا .. كأمة مسلمة وشعوب مسلمة النموذج الغربي لايناسبنا وسنبقى في انفصام مستمر وصراع أليم إلى أن ننفصل تماما اما عن اسلامنا او عن اتباعنا لما يخالف طبيعتنا .

فقط احببت مشاركة بعض مما فكرت به .