أحد عيوب وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي أنها جعلت الوضع الطبيعي غير مألوف وغير مستحب وأمرٌ مكروه يجب تجاوزه وعدم الإتيان به. لا يمكن لك أن تحظي بحياة هادئة..أن تتخرج من الجامعة، تبدء في وظيفة بدوام كامل، تتزوج، تنجب، تربي أبنائك، تكبر في العمر، تحاول الاستمتاع بحياتك الهادئة وهكذا! هذا الأمر غير مقبول في عالم التواصل الاجتماعي. يجب أن يكون لديك بصمة وأن تغير العالم، وأن تتمرد على كل القواعد وأن تنجز ما يتم إنجازه في خمس سنوات خلال خمس أشهر فقط وإلا فأنت شخص عادي ليس لديك طموح ولا فائدة ترجى منك!

مأساة.. أليس كذلك؟ جميعنا لديه أحلام وأهداف تختلف باختلاف طبيعة كل شخص منا. الوضع يحلم بأن يبني شركة عملاقة، وآخر يفكر في الذهاب إلى القمر، وثالث يود فقط أن يعيش حياة هادئة وسعيدة بعيدًا عن صخب الحياة. أحلامٌ وأهداف مبررة ولكلٍ منها أهميتها بالنسبة لأصحابها ولا يمكن التقليل منها بالتأكيد.

المشكلة أن عالم التواصل الاجتماعي أصبح يمارس نوعًا من الترهيب والتنمر على هؤلاء الطبيعين الذين يضعون الأمور في نصابها الصحيح دون حماسٍ زائف أو سوء تقدير أو حتى نظرة ضيقة للأمور. يجب أن تكون سريعًا، ولديك أهداف كبيرة، وذو طموح، وإلا فأنت طبيعي مما يعني أنك فاشل لدرجة عدم الطموح. هذا الأمر من وجهة نظري مؤثر في نقطتين هامتين يجب الإلتفات لهما كالتالي:

  1. خوف الكثير (وهم أغلبية) من البوح بأهدافهم البسيطة خشية التعرض لانتقادات أو حتى النظر إليهم بنظراتٍ سطحية أو التقليل والتسطيح من أهمية أهدافهم الشخصية بالنسبة لهم.

  2. شعور المعظم على الأخص من الشباب بالاحباط والفشل والكسل نتيجة عدم تمكنهم من اللحاق بحالة السرعة الفائقة التي تملأ صفحات مواقع التواصل الإجتماعي بالرغم من أنه ليس مطلوبًا منهم التسرع على الإطلاق.

شخصيًا لدي العديد من الأصدقاء الطموحين لكنهم يشعرون سريعًا بالإحباط والفشل نظرًا لعدم استطاعتهم على إنجاز بعض المهام في وقتٍ بسيط في حين أن بعض تلك المهام يحتاج على الأقل ستة أشهر حتى يتم الإنتهاء منها بشكلٍ احترافي، لكنهم يلومون أنفسهم لعدم إنجازها خلال شهر واحد، مما يجعلهم يصفون أنفسهم بعبارات الفشل.

أصدقائي.. ليس علينا أن نواكب عصر السرعة، وليس علينا أن نتخلى عن طبيعتنا أو أهدافنا لمجرد أنها ليست الحالة العامة الشائعة التي تُرضي رواد مواقع التواصل الاجتماعي. لا عيب في أن يكون لدينا أحلامًا بسيطة.. وبالتأكيد لا مشكلة في إنجاز الأمور والمهام في وقتها الطبيعي دون تسرع.. نحن لسنا في حلقة سباق وعندما نقوم بهذا الأمر فإننا نشبه من يقوم بالركض دون أن يدري لماذا يركض، وما الوجهة التي يجب عليه الوصول لها!

بالنسبة لكم.. هل تفضلون إنجاز كل شيئٍ بسرعة أم تفضلون التأني وأخذ الخطوات بشكلٍ عادي وبمعدل طبيعي؟