إذا أردت أن تعيش في ظلال كلام الله تعالى وتفقهه كما أراد وتجد لذة وانساً في فهمه وتجد منه ما غفل عنه الكثيرون فلا بد مما يلي فلن يكون لك ذلك إلا بما هو آت:

1-أن تفهم أولاً معنى (لاإله إلاالله) فهي القاعدة العلمية الحقة المطلقة التي بلغها النبي الناس قبل القرآن العظيم وقبل الشرائع.. وطلب منهم أن يسلموا لله تعالى على أساسها.. ثم علمهم القرآن العظيم فكانوا أوعية حقيقية له وكانوا كل منهم قرآناً يمشي على الأرض..

وهذه القاعدة الحقة والكلمة الطيبة تعني أن كل شيء لله تعالى مطلقاً يخضع له لذاته سبحانه باستحقاقه المحض للخضوع فكل شيء له لذاته خالصاً وله سبحانه الأمر كله فكل شيء وامر كل شيء بيده..

عندما تتصور هذه الحقيقة المطلقة وتقرأ القرآن عالماً بأن الذي له كل شيء وأسلم له كل شيء يخاطبك فيه فإن قراءتك ستكون مختلفة عن قراءة من يقرأ للحفظ أو للتمكين أو وهو متأثر بوجهة نظر معينة!

2-عليك أن تجعل القرآن العظيم هو الكتاب الأول في حياتك بل هو الكتاب الأصل والرئيس (بالإضافة إلى كتب الحديث والسنة والسيرة لأنها هي التسير الحقيقي الوحيد للقرآن العظيم)..

والخلل الذي أُتي منه كثيرون هو أنهم جعلوا القرآن العظيم أحد الكتب التي تقرأ!! ولم يجعلوا له ميزة خاصة بل جعلوا له ميزة خاصة! وهي أنه يقرأ بسرعة للتمكين أو يقرأ للتعبد بتلاوته فقط دون التدبر! بينما لو قرأ أحدهم كتاباً لأي شخص لقرأه بتمعن يريد فهم مراد الكاتب مع أن كلام هذا الكاتب في النهاية غير ملزم بعكس كلام الله تعالى الذي هو خطاب ملزم للناس وهو هدى ورحمة لقوم يؤمنون!

إن من أعجب العجب أن يقرأ إنسان لكل الناس ولكنه لا يقرأ لرب الناس! ويتدبر كلامهم ويحلله...الخ ولا يتبدبر كلامه! تاركاً المجال للناس لتوجيه فكره بينما كان الصواب أن يترك توجيه فكره للذي خلقه وهو الأعلم بما يصلحه.. بل بما يحييه..

اقرأ وتدبر قول الله تعالى: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)

فكما أنزل الله تعالى الماء من السماء فأحيا به الأرض بعد موتها.. فكذلك أنزل هذا القرآن ليحيي به القلوب ويهديها ويبعد عنها نقمة الاختلاف ويهديها للتي هي أقوم..

اللهم كما أحييت الأرض بالماء الذي أنزلته فأحي قلوبنا بالكتاب الذي انزلته آمين..

وتدبر قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

فالله تعالى أعلم بالقلوب والأهواء التي قد تسيطر عليها وما أكثرها.. فأنزل هذ الكتاب رحمة ووقاية من هذا العذاب..

أقول: ولم يقف الأمر عند قراءة كلام غير الله تعالى بتمعن أكثر من كلام الله تعالى إذن لهان الخطب! ولكن يتعدى الأمر بكثيرين إلى محاكمة كلام الله تعالى إلى كلام غيره بدلاً من العكس!

3-تبدأ بقراءة كلام الله تعالى وفق ما سبق منطلقاً منه مستهديا به.. محاولاً تدبره آية آية مستحضراً أن الذي يخاطبك هو الله تعالى الإله الحق الذي له كل شيء والذي تعيش في رحمته وتأكل من خيره وترفل بنعمه التي لا تحصى والذي لا بد من قراءة كلامه أو سماعه لفهم ما يريد ليرى على أرضه منك ما يريد..

4-ليكن أول تفسير ترجع إليه بل التفسير الرئيس الذي ترجع إليه هو سيرة سيدنا محمد بن عبد الله .. وهذا يعني أنه لا بد من دراسة سيرة هذا السيد الكريم والنبي العظيم الذي لم تلد النساء مثله والذي اختاره الله تعالى على علم وهو أعلم حيث يجعل رسالته والذي كان قرآناً يمشي على الأرض والذي هو وحده الذي وكله الله تعالى ببيان كلامه للناس وكلهم إنما يتلقى عنه..

عليك أن تقرأ كلام الله تعالى مستحضراً سيرة النبي (بالإضافة إلى الكلمة الطيبة لاإله إلالله) لتفهم مراد الله تعالى فهماً صحيحاً بعيداً عن الغلو أو الجفاء..

5-ليكن خلق الله تعالى الحق مستحضراً أمامك أيضاً وأنت تقرآ القرآن ويتأكد هذا عندما تذكر الآيات أمراً محسوساً تراه أو تحسه مباشرة كالسموات والأرض والجبال والشجر والدواب وكل الطبائع (يجب أن تفرق بين الصناعات وبين الطبعيات فالتفكر يكون في الطبعيات).. وسترى عندئذ كيف ترى القرآن رأي العين وسترى تناسقاً عجيباً بين خلق الله تعالى وقدره وكلامه بما يعجز عنه وصف أي إنسان مهما أوتي من البلاغة.. وجرب تر بنفسك..

بعد أن تقوم بما سبق سترى شيئاً جديداً لم تره من قبل وستعلم عندئذ أنك تقرأ كلام الله تعالى قراءة صحيحة.. بل ستدمن على قراءة هذا الكتاب العظيم وستكون شغوفاً بذلك أكثر من شغف غيرك بقراءة غيره.. وعندها ستجد من الدقائق ما لم يخطر لك من قبل! والله الموفق..