لم أرغب في عرض هذا الموضوع إلا بعد عدة أيام من وفاة الأب الروحي لأدب الشباب، ولقرائه من الشباب كافة، د. أحمد خالد توفيق.

بدايةً .. أنا من هؤلاء القراء .. لست حديث العهد بكتبه وأدبه، ولكنني كنت من أولئك الأوائل الذين تجرأوا واشتروا روايته الأولى (مصاص الدماء وأسطورة الرجل الذئب) لأكبر عامًا بعد عام ويتوغل في نفسي أدب الراحل، فأصبحت ألتهم كلماته التهامًا أينما وجدتها. بل قد تطور الأمر عندي، فأصبحت أقرأ المقال، بدون النظر إلى عنوانه على مواقع التواصل الاجتماعي، فأقول بلا تردد وأنا أقرأ: هذا المقال لدكتور أحمد خالد توفيق. ويأتي سطر النهاية لأجد توقيعه فيه.

لذلك – ولصعوبة الأمر عليّ وقتها، وحتى لا يُقال أنني أبالغ – رأيت أن أتحدث عنه بعد أسبوع من وفاته، حتى تنتهي فترة استيعاب الخبر ... ولكن من الواضح أن الأمر مختلف.

الراحل د. أحمد خالد توفيق، لم يرحل بعد من وجداننا. وكنت أظن أنني أبالغ في مشاعري، ولكن فوجئت بالعشرات من مصر والدول العربية وأماكن متفرقة في العالم يشاركونني نفس مشاعري وأحاسيسي وآلامي بفقد د. توفيق. أو الأب الروحي كما كان يُدعى.

العجيب أنني لم أقابه ولو حتى مرة واحدة. وكنت أظن أنني أبالغ بمشاعري حتى تعرفت على العشرات الذي كان لهم نفس مشاعري، وأيضًا اجتمعنا على أننا لم نقابله ولو مرة واحدة، وكأن وجوده بيننا بأدبه ورواياته كان كافيًا ومشبعًا إلى أقصى حد، فأغنى عن هذا اللقاء.

كيف بلغ د. أحمد خالد توفيق هذه المكانة في قلوب هذا الجيل بأكمله؟

سؤال يظلل يتردد وأجيب عن جزء منه من واقع تجربتي الشخصية مع أدب الراحل، وأترك المساحة متسعة لكل من قرأ له – قليلاً كان أو كثيرًا – ليدلي برأيه.

أرى أنه كسب قلوب الشباب لأنه:

1. البساطة:

قدم أسلوبًا أدبيًا بسيطًا يفهمه الجميع، من نوعية (السهل الممتنع). فتقرأ له تحسبه بسيطًا سهلًا، ثم تكتشف مدى تعقيده عند محاولة التقليد. ابتعد عن التشبيهات الرمزية أو المعقدة، وجعل تشبيهاته بسيطة مباشرة، يتخللها الكثير من الطرافة والفكاهة. وليس معنى الطرافة والفكاهة أن أدبه كان سطحيًا، ولكن بالعكس: كانت شخصياته ثلاثية الأبعاد، شديدة العمق والتأثير. حتى أنه في روايات ما وراء الطبيعة، كان يتلقى رسائل القراء ويرد عليها باسم بطل سلسلة الروايات: د. رفعت إسماعيل.

2. احترم عقول الشباب:

فلم يذكر في مؤلفاته إلا الحقائق العلمية المدمغة – أحيانًا – بالأدلة والمراجع، وابتعد عن المعلومات المشكوك فيها، أو التي يلمسها جانب من التكذيب. كان يبحث عن المعرفة أينما وُجِدَت ثم يأتي حاملها للشباب على طبق من البساطة والطرفة، تُحبب الشباب في المعلومة والعلم ككل، ليكمل رحلة بحثه بنفسه، بعد أن أشغل الراحل له الفتيل فحسب.

3. علّم الشباب القراءة:

فلم يدع إلى القراءة له وحده، وإنما فتح أعينهم على الأدب العالمي، وعلى شخصيات لم نكن نعرف عنها شيئًا مثل إدجار ألان بو، ستيفن كينج، ماركيز، ديستوفيسكي، شيكسبير، أوسكار وايلد، وفنانين مثل جويا، مونك، كارل أورف، وغيرهم. بل إنه تحول إلى المايسترو في هذا الأمر، فأصبحت ثقافتنا ومعارفنا مرتبطة بشكل كبير بما يقدمه لنا.

بل كان يدعو ويتمنى أن يُكتب على قبره "جعل الشباب يقرأون" وقد كان.

4. احترم قلمه ودوره حتى النهاية:

فلم ينحاز إلى تيار سياسي بعينه، ولم يداهن حاكمًا، ولم يسع إلى فريق دون آخر، وإنما كان رأيه واضحًا يقوله بمنتهى الصراحة. هذا وحده كفيل بكسب احترام أي إنسان يعرفه، وليس قرائه فقط.

5. لم يفتخر يومًا بنفسه:

وهي صفة غريبة في شخص له ثقله وشهرته. كل من تعامل معه عن قرب شهد بهذه الصفة، وأنه دومًا يتعامل ببساطة وتلقائية، بل يشعر بالكثير من الخجل حينما يثني عليه أحد من الناس. ويبحث في أراء قرائه صغارًا كانو أو كبارًا، يطلب منهم النصح، والمدد العاطفي ليستمر، ويضيف إلى رصيده المزيد من الدُرَرَّ.

في الواقع هناك الكثير، ولكن لم أرغب في الاستفاضة حتى لا يكون الموضوع حصريًا على رأيي، وإنما أرغب في استشفاف ما أضافه لك د. أحمد خالد توفيق رحمه الله.

فماذا ترى أنت؟