بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإختلاف مصطلح عام يندرج تحته كثير من الأقسام المختلفة من الإختلاف والتنوع.

الإختلاف الفكري واحد من أنواع الإختلاف بين أعضاء المجتمع. حيثما وُجد التنوع والإختلاف وُجد الإبداع والحضارة والتطور. قاعدة بسيطة ليست صحيحة دائماً لكن كمشاهدة للواقع نراها القاعدة الأهم التي من خلالها صًعدت وارتقت فيها الأمم والمجتمعات المختلفة.

الإختلاف الفكري يشمل كل تنوع وإختلاف عقائدي باطني غير محسوس كالعادات والتقاليد والأفكار الفلسفية والمذاهب المختلفة التي لا يحكمها ولا يعرفها أحد سوى ذات الفرد أو من يشترك معهم بنفس الفكر، فلا يوجد هناك بروتوكولات لصياغة الفكر كما هي البروتوكولات والـ " إتيكيت " المتداول لدى الإختلاف المظهري الإجتماعي في تعامل الطبقات المختلفة مع بعضها البعض وتعايشها.

من أسس الإختلاف الفكري وأهم نتائجه هي إصلاح الفراغات وسد ثغرات الأفكار الأخرى الحية في المجتمع، لكن أدى إختلاف الفكر إلى تهشيم وتحطيم بنية المجتمعات التي تقوم على محاربة المختلف عنها والمتجرد من طبعها وفكرها لأعذار واهية كالحفاظ على تقاليد أو موازين إجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان في سبيل نسخ صورة العضو والفرد الحي ورسم صورة مجتمع مستمر متداول لشؤون الحياة تحت نطاق واحد لا يحيد عن ماقرره المجتمع.

هذه الحرب الفكرية التي يشنها المجتمع تحت المتجردين من سلطان القطيع أدى إلى عزلة الفئة الباحثة عن الحياة حسب مرادهم وآمالهم عن بقية الأفراد الغير مؤمنين بما يقوم بفكرهم ويجول في رحب نفسهم.

أصبح المجتمع يضم كيانات فكرية مختلفة من دون رسمٍ واقعي لها او لا وجود فعلي حسي لها، وأصبحنا نرى في العائلة أو في الـ " الشـلة " الواحدة مصطلحات يُعنون بها أصحاب هذه الأفكار نفسهم وهي دون المقصود أو لا تحمل أصلاً هذا المعنى المرجو منها .. مصلطحات المحافظ والزنديق والمتحرر ناهيك عن بقية المصطلحات الفلسفية التي لا دليل بإنتماء الفرد لها سوا اختلافٍ بسيط أو رأي بسيط مخالف للجمع.

ودون الإرتماء بعيداً في مصطلحات بعيدة، أصبحنا نرى القارئ أو الباحث المتثقف في عزلة عن معارفه وأقاربه نتيجة الإختلاف الذي صار إليه والذي لا يشاركه به من اعتزلهم.

وصار الإنسان الطامح الشغوف يبتعد عن من لا يشاركه نفس الأهداف والطريق ليحقق مقولة صاحب أشخاصا يشاركونك في الإنجاز والنجاح، فما عدنا نرى الطبقات المختلفة ولا المفكرين ولا البشر أنفسهم يصادقون من يحبون أو من يصدقهم المشاعر والشعور بل أصبحت المعارف والعلاقات تدور حول دائرة الربح الفكري والمعنوي في سبيل إقناع الشخص لذاته أن من يصاحبهم هم الأفضل وهم الصورة المثالية لشخصيتي كناجح !

الاختلاف علة وعاهة على المجتمع إن استمرينا بهذه النظرة وهذا التفكير وما يمر به الناس من تقسيم للعلاقات والمعارف بهذه الصورة أخطر من الصورة الموحدة للمجتمع، فبهذا الإختلاف تنقسم ذات التجمعات إلى أقسام أقل وأقل كل ما تعاملت مع اختلاف معين آخر داخل دائرة الإختلاف نفسه.

إذا لم تكن طموحاتنا وأهدافنا وثقافاتنا المختلفة سبيلاً لفهم الحياة والتعايش ومساعدة الآخرين وتطوير ذاتنا ثم رفعة المجتمع ورُقيه فلا فائدة لما نقوم به ولا قيمة لما نعيش فيه.