لا ينكر أحد أن كل الإتجاهات الإقتصادية الحالية كانت نشأتها ناتجة عن نية طيبة لأصحابها، فالشيوعية بدأ كحركة لحماية العمال وحقوقهم من بطش البيروقراطية الصناعية، والإشتراكية نشأت بعد فشل الشيوعية كنوع أبسط وأخف وأكثر وسطية، والرأسمالية تأصلت في تاريخ شعوب كاملة وما زالت الفائز الأول على الساحة وبدأت تنشق على نفسها منذرة باتجاهات "سياسات اقتصادية جديدة.

تهدف الشيوعية لحماية حقوق العمال ووسيلتها في ذلك تأميم كل المؤسسات وتوحيد الرأي عن طريق ابطال الأحزاب، والتوزيع ليس العادل للثروة ولكن المتساوي للثروة مهما كان عملك، كما أن لها إتجاهًا مضادًا للأديان ربما نتيجة غير مباشرة لوسيلتها في تحقيق الوحدة، بينما الإشتراكية الأقل تشددًا تميل لتدخل الدولة ولكن التدخل الكافي فقط لحماية العمال وليس تأميم المؤسسات كلها، عن طريق أن يكن للشركة رأس مال معين تصارع به الشركات الأخرى في السوق، أو أن تفرض سعر معين للسلع، وتعمل على توزيع الثروة بشكل يوفر وسائل الرفاهية للسكان، لذلك قد تفرض على السكان ضرائب كبيرة مقابل العيش فيها والتمتع بوسائل الرفاه مثل الدول الإسكندنافية، وبالتالي فوسيلتها لتحقيق ذلك إما عن طريق تحصيل ضرائب هائلة من الشعب أو سقوط الأموال من السماء أو الإستلاف، مما يهدد الحكومة الإشتراكية دائمًا بالإفلاس.

تختلف الدول الإشتراكية في توافر هذه الوسائل الثلاث، فالفقيرة منها من تقترض المال، والغنية منها من تملك الوسيلتين الأخرتين، ولا يخفى عليك حال الشعوب العربية بعد ثورات القرن العشرين والتي كان بعضها يدعي الإشتراكية.

وأخيرًا الرأسمالية، محبوبة الجماهير، والمسيطر الحالي على الواقع الإقتصادي، تهدف الرأسمالية إلى إقصاء دور الدولة تمامًا وترك جميع مجالات الحياة للسوق الحر ليتنافسوا عليها ويعطوا المستهلك أفضل سعر، كل ما تقوم به سن بعض القوانين ووضع المناهج وترك الشركات لتتنافس على المستهلكين، وبالتالي من التنافس ينتج أقل سعر بأفضل جودة، وهي بهذا الشكل أستطاعت تحقيق الهدف الأسمى اليوم وهو "تظبيط" المواطن، مع أن الدول الإسكندنافية تفوز عليها بإهتمامها بالمواطن الفقير وهو من لا تهتم به الشركات أساسًا، مع أن الرأسمالية تعتمد فكرة السوق الحر إلا أنها معرضة أيضًا لهزات إقتصادية وكساد، كما أنه لا يمكن تطبيقها في بعض الدول التي لا تجذب المستثمرين.

لذا نستنتج من كل هذا أن كل شعب عانى وخرج إلى العالم بنظرياته في السياسة والإقتصاد، وكل شعب أتخذ سياسته بعد معاناة وألفها وصاغها بنفسه على مقاسه، وبالتالي على الأغلب لن تفيد هذه السياسات الدول الأخرى الغريبة عن ثقافة ولغة ومشاكلًا، فعندما تخبرني عن فشل الثورات العربية في القرن ال٢٠ فتذكر أن أغلبها تبنت سياسات هي غريبة عنها وعن مشاكلها، فالإشتراكية والشيوعية تمخضا عن الثورة الصناعية بشكل أساسي والتي لم يكن لها قيمة في مصر تقريبا قبل ثورة الضباط الأحرار، والأموال لا تسقط من السماء ولا يمكن للضباط الأحرار أن يرفعوا من الضرائب، فأنتهى الحال بدولهم على الحال الذي نعرفه اليوم، مصر وسوريا ولبنان وغيرهم تحت ظروف اقتصادية ميتة وحياة سياسية منتهية وحكام لا يموتون، لأن بعض الشباب الطائش أرتأى تعجيل المحتوم وقفز على إخوته ليحصل على السلطة، كما فعل عبدالناصر مع نجيب أول رئيس مصري والذي على ما يبدو كانت وجهة نظره أقل قمعية من عبدالناصر.عبدالناصر، ولكن شكرًا لهم جميعًا.