مع انتشار التوعية بالصحة النفسية وأهمية الطب النفسي في حياة البشر باعتباره فرعًا مهمًا من فروع الطب، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تمتلأ بالعديد من صفحات ومجموعات الدعم النفسي بهدف الحكي أو مشاركة المشاكل أو حتى الحصول على نصائح. لكن السؤال هنا: هل هذا يُعد هذا الفعل صحيًا من وجهة نظر الطب النفسي؟

هذا التساؤل يطرح نقاشًا مثيرًا للاهتمام حول أهمية الطب النفسي والدور الذي تلعبه مواقع التواصل في الحالة النفسية لمستخدميها. خلال السنوات الماضية كان الطب النفسي - وما زال - يمثل وصمة عار، فإذا كنت في حاجة إلى طبيب نفسي من أجل الاستشارة، تلقائيًا يبدء المجتمع في الحكم عليك سلبيًا وتبدء عائلتك في أغلب الأحوال في منعك من الذهاب الى الطبيب خوفًا من تعليقات المجتمع ونظرات الناس إليك.

لا يقتصر الطب النفسي على حالات الجنون بل هو فرعٌ كامل من فروع الطب يبحث ويعالج العديد من المشاكل مثل الصحة النفسية، الدعم الاجتماعي، الاكتئاب، الإدمان بأنواعه، التوتر والقلق، الإحباط... بالإضافة إلى أمراض أخرى لا تقل أهمية وخطورة عن أي مرض جسدي. تكمن مشكلة الطب النفسي فقط في قصور معرفة الناس به من ناحية، وعدم اعترافهم بالأمراض النفسية - كالإكتئاب مثلًا- من ناحية أخرى.

لست في حاجة إلى الذهاب إلى طبيب نفسي للتخلص من أعراض الإكتئاب، أنت لا تعاني من أي شيء ولا داعي لتضخيم الأمور. فقط قم بأداء العبادات وستصبح أفضل غالبًا هذه هي الإجابة التي ستحصل عليها من النسبة الأكبر من البشر إذا أخبرتهم أنك تريد الذهاب إلى طبيب نفسي. الكل يبدء في التوجيه ناحية العبادة أو التقليل من حجم خطورة الأعراض دون معالجة المشكلة ذاتها والانتباه لتأثيرها الضار بأصحابها والذي يصل في كثيرٍ من الأحيان إلى الإنتحار.

الجانب الجيّد في هذا الأمر، أن انتشار الإنترنت ومواقع التواصل، ازداد معه وعي الناس بالصحة النفسية ودور الطب النفسي في هذا الأمر. فأصبح العديد من الشباب ليس لديهم مشكلة في زيارة طبيب مختص سواءً بهدف التشخيص والعلاج عكس ما كان يحدث في الماضي. ربما الأمر ليس شائعًا بالشكل الكافي، لكنه بالتأكيد يتطور بشكلٍ ملحوظ.

كذلك ازدادت صفحات ومجموعات مواقع التواصل المعنية بالدعم النفسي على الأخص عبر فيسبوك، حيث يمكن لأي شخص مشاركة قصته أو مشاكله مع مجموعة محددة أو عبر صفحة للجمهور العام ويقوم الجمهور بمساعدته من خلال نصائحهم. لكن كما ذكرت في البداية هل هذا الأمر صحي؟ الإجابة هي لا!

هناك من يحكي بهدف المشاركة، أو الفضفضة، وهناك من يحكي بهدف البحث عن حلول لمشاكله. المشكلة هنا تكمن في تعامل الجمهور مع النوع الأخير الذي يبحث عن حلول. على سبيل المثال شاهدت أكثر من مرة عبر صفحة على فيسبوك تقوم بنشر رسائل تصل إليها من المشتركين، أن أشخاصًا لديهم أعراض للاكتئاب وميول للإنتحار ويبحثون عن الحل لذلك. بدلًا من نصح الناس لهم بالتوجه إلى طبيب مختص، كانت كافة التعليقات هجوم على الأشخاص، أو تقليل من حجم معاناتهم، أو توجيهم للعبادات الروحانية.

كافة هذه التعليقات غالبًا تكون مؤذية لأصحابها، ففضلًا على أنها لا تحتوي على حل حقيقي للمشكلة، إلا أنها أيضًا تُشعر المصابين بالحرج من مشاكلهم وأنها تافهة لا ترقى إلى أن تصبح مرضًا وبالتالي تظل معاناتهم مستمرة.

حينما يخبرني صديق أنه لا يشعر بخير ودائمًا متخوف ومحبّط، أستمع إليه على الفور حتى ينتهي من الحديث، ثم أقوم بترشيح أسماء أطباء أو داعمين نفسيين متخصصين يقوم بسؤالهم عبر فيسبوك أو موقع آسك حتى يحصل على تشخيص سليم من متخصصين. كما أنني أحذره أيضًا من مشاركة قصصه وحكاياته على الملأ، حيث سيقوم الناس بالاستخفاف بها من ناحية، وتوجيههم بشكلٍ خاطىء وأحيانًا ضار من ناحية أخرى.

أرى أن من يقوم بنشر أعراضه ومشاكله النفسية عبر فيسبوك بهدف طلب النصيحة من جمهور عام لا يفعل شيء يفيده، بل على العكس تمامًا سيضره هذا الأمر وقد يتسبب في ازدياد سوء حالته.

ماذا عنكم؟ هل ترون هذا الأمر هام أم يجب فورًا التوجه إلى متخصص؟