بالطبع يعرف جميعنا قصة ريّا وسكينة .. بل قد تحولت قصتهما إلى ما يشبه ثقافة فلكلورية لدى الشعب المصري، وذلك بما أحاط بهما من هالة بشعة (أو تبشيع) بالكثير من القصص والتحليلات، والروايات، والأعمال الفنية الجادة والهزلية. بل إني لم أجد في حياتي حادثة جنائية تم تفعيل عدد من الأعمال الفنية بشأنها مثل قصة ريّا وسكينة.

بل لقد تعدى الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك؛ ببغض الأسماء، فتحول اسمي (ريّا) و(سكينة) إلى أسماء محرّمة – بفعل ثقافة الشعب المصري نفسه – لا ينبغي التسمي بها، بل جرى استخدام تلك الأسماء في الحديث والشجار للدلالة على الوحشية وانعدام الرحمة.

منذ قليل شاهدت منشور في صفحة الباحث في التاريخ محمد سعد النادي (رابط حسابه:

https://www.facebook.com/mo...

يتحدث فيه عن براءة ريّا وسكينة، ويرفق بالمنشور تقرير لإذاعة BBC البريطانية تتحدث عن الموضوع، بتحليل موضوعي، وتلقي الضوء على بعض الإشارات الغامضة في قصة ريّا وسكينة.

رابط البوست:

https://www.facebook.com/mo...

رابط التقرير المصور:

البوست يشير إلى أن الأختين لم تكونا سفاحتان، وإنما مناضلتان ضد الاحتلال. وأن الجثث المتواجدة في منازلهما هي لجنود إنجليز، كانا يجتذبانهم إلى هذا المكان لقتلهم. أما القصة التي وصلتنا، فقد كانت نتيجة لضغط كبير من قوات الاحتلال الإنجليزي – حينئذ – على الحكومة المصرية لتزييف قصة ريّا وسكينة للرأي العام، حتى لا تشتعل شرارة الثورة أكثر ضد الإنجليز (لاحظ أن القصة حدثت في أجواء ثورة 1919) والنضال المسلح ضد الإنجليز.

ويُقال أن هذا هو السبب الرئيسي الذي من أجله استقال وكيل نيابة الإسكندرية، رفضًا لضغوط القنصل الإنجليزي، الذي أملى عليه هذا التقرير، ولكن وكيل النيابة (الشريف) رفض الامتثال لهذا الأمر لعدم وجود أدلة واضحة على هذه الجريمة.

المؤيد لهذه المزاعم هو التعديل القانوني الذي صدر وقتها بإعدام النساء، ولم يكن يتضمن قبلاً تنفيذ أحكام الإعدام في النساء. إذ إن بقاء ريّا وسكينة على قيد الحياة، يفتح الباب للتحقيقات مرة أخرى، ولدراسة مدى وصحة هذا الزعم. فحتمًا لن تسكن واحدة منهما عن هذا الظلم الواقع عليها أو على أختها.

كذلك المؤيد لهذه المزاعم، بديعة ابنة ريّا التي شهدت على أمها، وقيل أنه تم الضغط عليها لتشهد بهذه الشهادة حتى يتم الإفراج عن أمها. المثير في الأحداث هو أن بديعة نفسها تم إيداعها دارًا لرعاية الأحداث، وأن هذه الدار احترقت بعدها بفترة وجيزة، واحترق كل من فيها، بما فيهم الطفلة بديعة. أي أن الدليل الأخير الذي كان يمكن مناقشته بشأن هذه الأحداث، قد تم التخلص منه

أما ما يؤيد هذا الزعم من وجهي نظري فهو طبيعة العصر الذي حدثت فيه هذه الأحداث وضعف وسائل الإعلام، وقصرها على الحكومة، والحكومة بالطبع يتحكم فيها الإنجليز. كذلك التكتم الشديد الذي تم على التحقيقات، كان له أبلغ الأثر في تأييد هذا الزعم.

الأمر الأخير هو أن تزييف التاريخ ليس حادثًا عارضًا، فهو يحدث كل يوم في حياتنا. فإنقلاب 1952 على الملك، تم تسميته (ثورة)، وظهرت أعمال فنية مؤثرة – مثل فيلم رد قلبي – تتحدث عن هذا الإنقلاب بشكل ثوري، وتسهب في ظلم واستهتار وبشاعة الملك، (على الرغم من أنه لا يساوي عشر معشار ما يحدث هذه الأيام) وأنه ثورة جيش ضد الظلم، وأنه وأنه .. على الرغم من أن الوثائق الرسمية لم تستخدم لفظة (ثورة) إلا عام 1956.

لذلك، إن صحت هذه المزاعم، فأنا عقلي متقبلها بشكل كبير، فقد رأيت غيرها كثير، من التزييفات التاريخية، ومازلت أرى كل يوم.

ما رأيك أنت؟ هل ترى أن ريّا وسكينة سفاحتان أم مناضلتان؟