حضرتني اليوم مقولة منسوبة لأديب روسي عن موضوع قتل الكائنات من أنواع أخرى خصوصاً الحشرات:

ماذا لو كان العنكبوت الذي قتلته في غرفتك ، يظن طوال حياته أنك رفيقه في السكن !

المقولة ينبثق منها سؤال مثير للاهتمام, لو كانت هذه الكائنات تملك وعي بشكل أو بآخر (بالطبع قد تكون تملك وعي مختلف عن وعينا فوعينا ليس بالضرورة هو الوعي الأوحد) ألن تعتبرنا من أفظع المجرمين التي واجهها نوعهم؟

كما نعلم, الكائنات الأخرى التي تقتل هذه الحشرات عادة ما تقتلها لتقتات عليها أما نحن نقتلها لأسباب تنم بالنسبة لهم عن سادية و مرض نفسي (نقتلهم لكي لا يراهم زوار البيت - لأن وجودهم حولنا يشعرنا بعدم الراحة - لأننا لا نعرف شكل المؤذية منها فنخمن أنها كلها مؤذية)

هل علينا تحرير مفهوم الجريمة من المقام الأول؟ ما أعنيه أنّه لو كانت البراكين/الزلازل تحمل وعي يتضمن قدرة على اتخاذ القرار , ألن يعتبرها الإنسان من أسوأ المجرمين؟ ألا تلصق بعض من التيارات اللادينية تهمة الجريمة بالذات الإلهية إن وجدت لافتعالها الكوارث أو عدم إيقافها لها؟ (1)

قد تراه من السخافة مساواة قتل إنسان لإنسان بقتل إنسان لحشرة, حسناً هذه تقريباً حجّة جيّدة فلو وضعنا مقياس بثلاث درجات, أيّ منها ستختار لقاتل الحشرات:

  • قاتل بمعنى الكلمة : هذا أعتقد أن التطوريّون سيذهبون إليه أو للذي بعده فمن المعلوم أننا لسنا مميزين كنوع بعينه فنحن لسنا إلا الطفل الجديد في الشجرة التطورية (مئة ألف سنة أو أكثر) و هناك بعض من الحشرات عمرها بالملايين و قتل إنسان لإنسان هو نفسه قتل إنسان لكائن أخر من غير ضرورة بالنسبة لطرف ثالث

  • قاتل ساذج : و هذا الصنف يقتل الحشرات بفعل سذاجته و عدم إدراكه و ربما العنجهيّة المزروعة فينا بحيث نعتبر راحة الإنسان أهم من حياة كائنات الأخرى مهما قلّ إزعاجها, بالطبع كلمة قاتل في هذا النوع تضيف الكثير من الجدل لكن دعونا نتجاوزها بحكم أنني لا أجد كلمة أخرى للتعبير :p

  • ليس قاتلاً : قتل الحشرات أمر عابر و عادي جداً و لكنه غير ضروري من الأفضل تجاوزه

بالطبع تصنيفك لمن يقتل الحشرات معتمد بشكل كبير على وجهة النظر التي تنظر للموضوع عن طريقها لكن دعونا نتخلص من بشريتنا للحظة و ننظر للموضوع من وجهة نظر طرف ثالث لا من وجهة نظر الإنسان نفسه

على أيّ حال المغزى الأخلاقي الذي خرجت به من ذلك الحديث مع نفسي أنّ قتل هذه الكائنات خاطئ تماماً و قد يكونوا يتحدثون عنا بلغتهم البدائية بأننا أسوأ شيء حدث لهم و أن الحياة قبل مئة ألف سنة (قبل وجود الإنسان المعاصر) كانت أفضل فقد يكون ذلك العنكبوت خارجاً إلى حقله الواقع في مطبخ بيتنا لجلب بعض الطعام لعائلته (أعرف, عليّ التوقف عن مشاهدة أفلام الكرتون)

لذا أنا لن أقتل الحشرات غير المؤذية بعد الآن, أنت أيضاً! لا تقتلهم!

(1): الفقرة التي كتبت بها هذا لا علاقة لها بالدين و الإلحاد على الإطلاق و إنما لإعطاء مثال بسيط عن محاكاة لإحساس كائن تجاه كيان أو كائن آخر يقتله (في هذه الحال براكين - إنسان و إنسان - عنكبوت) و على ذلك أطلب من المشاركين لُطفاً بألا يبدأوا هذا النقاش هنا.