هنالك قصة عن طالب خيمياء يتعلم صناعة الذهب عند أحد السحرة، يعلمه كل ما يعرف ثم يبقى له الدرس الأخير، "مهما حدث، لا تفكر أثناء العملية في فيل وردي"، يحاول الطالب جاهدا ومع ذلك لا ينجح، فكلما حاول صناعة الذهب خطرت نصيحة معلمه الأخيرة على رأسه وانتهى بالتفكير فيها، وبذلك عاد خائبا لمعلمه يلومه على نصيحته، ولم ينجح في صناعة الذهب في حياته.

الفيل الوردي

الفيل الوردي يمثل الجنس في مجتمعنا العربي، فهو الحاضر الغائب دائما، العيب الذي لا يجب نطقه أو حتى التلميح إليه، وبذلك يبقى حاضرا في العقل دوما لمحاولة تجنبه، وفي ظل ذاك التعتيم لا يجد الأطفال أمام فضولهم البريء، والمراهقون أمام رغباتهم التي بدأت تستيقظ لتضاف على ذاك الفضول غير مصادر ضبابية مشكوك في مصداقيتها لنيل معلوماتهم، فمن الأفلام الإباحية إلى رفاق نالوا هم أنفسهم معلوماتهم منها بالفعل، ويتعقد الأمر حين يكبر ذاك المراهق شابا ويجد نفسه أمام "فيله الوردي" ويدرك أن أغلب ما يعرفه عن الأمر خاطئ، أو المصيبة أن لا يدرك خطأ معلوماته أصلا، لتبدأ الممارسات الجنسية غير الصحية أو التوقعات اللاواقعية من الشريك المبنية على الأفلام الإباحية، زد عليها إن فشل الفرد في تصحيح معلوماته ثم قرّر أن لا يمر إبنه بنفس تجربته، وأخذ على نفسه مهمة توعيته جنسيا بنفسه، ذاك فعل يستحق الاحترام لكن الظل لا يستقيم والعود أعوج، لو كانت معلومات الأب نفسها خاطئة فكيف سيقدم المعلومات الصحيحة؟

شئنا أو أبينا الجنس هو ضرورة حيوية، لا كاتب المقال أو قارئه كان ليكون موجودا لولاه، وهو يحدث بتوعية أو بدونها، لكن كثرة حوادث الأمراض المنتقلة جنسيا وحوادث الحمل غير المخطط له وحوادث ليلة الزواج تجعلنا نتساءل عن مدى مصداقية مصادرنا وثقافتنا حول الأمر!

التوعية الجنسية في المدارس

هنا يجب أن نتساءل، هل يمكن إضافة مادة خاصة بالتوعية الجنسية في المدارس أن يشكل حلا منطقيا للمشكل السابقة؟

التوعية الجنسية من سلطة تعليمية ليست وليدة اليوم حتى في مجتمعنا العربي، فأحاديث الرسول لصحابته في الموضع تمت علنا ودُونت وتم تناولها كأي من أحاديثه الأخرى.

لماذا نعلم الطفل أو المراهق شيئا لا يستخدمه في وقت قريب؟

فلننظر للأمر كدروس الرياضيات، مع أنها جزء لا يتجزأ من حياة البعض (علماء ومهندسون)، إلا أن الأغلبية تركوها خلف ظهورهم ولم يستخدموا نظرية فيثاغورث في حياتهم قط فهل يعني هذا أن تلك الدروس كانت عديمة الجدوى؟

نفس الأمر بالنسبة للتوعية الجنسية، أن يعرف الفرد الممارسات الجنسية الصحيحة، أن يفهم التغيرات التي تحدث في جسده وكيفية التعامل معها، أن يعرف كيف يحمي نفسه، كلها أمور ضرورية جدا حتى وإن لم يكن الشخص يخطط لتطبيقها على أرض الواقع.

يجب أن تفهم الفتاة أن ما ينموا على صدرها أمر طبيعي ونشرحه لها علميا كي تتوقف عن التحرج منه، أن نخبر الفتى أن خشونة صوته لا تعني أن عليه أن يقلب حياته ويحاول اقتحام عالم الرجولة بالقوة فهو مجرد تغيّر بيولوجي، أن نعلّمهم عن الحماية الجنسية، عن الأمراض المتنقلة جنسيا، عن وسائل منع الحمل، عن أن الجنس ليس ذاك الوحش من الفضاء الخارجي الذي لا تتم التوعية حوله إلا خلف باب مغلق أمام مصادر لا يصح إطلاق مصطلح التوعية عليها من أساسه.

الجنس ضرورة بيولوجية، وتغييب التوعية به لا تعني عدم حدوثه، بل تعني حدوثه في ظروف سيئة وحتى خطرة فقط، وبدونها سيبقى الكلمة التي نضحك عليها بتحرج كلما نُطقت وتحمر وجوهنا، فهل فعلا حان الوقت لإضافة تدريس التوعية الجنسية لمدارسنا؟ هل تعتقد أن الأمر مفيد؟ وهل هو ممكن في ظل مجتمعاتنا المحافظة؟ هل تفضل أن ندرِّس شيئا محرجا لأبنائنا لأنه مفيد أم نتركهم يتعلمونه من الشارع؟