جميعنا فعلنا ذلك في مرحلة ما من حياتنا، استلقينا على الأرض بتكاسل أو رفعنا رؤوسنا من نافذة الحافلة نحدق بملل في السماء، وفجأة لمحنا بين الغيوم دلفينا يطارد أرنب، أو وجها ضاحكا يتابعنا من الأعلى، لكن هل تساءلت يوما ما سبب تلك الوجوه التي نراها في الغيوم؟

في الحقيقة الأمر راجع لطبيعة تكوين العقل البشري، أدمغتنا -وبهدف إبقائنا على قيد الحياة- تطورت لتميل إلى إيجاد معنى للأنماط من حولها، فنجدها تميل لخلق أنماط في كل شيء ثم تصديق ما تخرج به انطلاقا من ذلك، ترى حفرتين متباعدتين تحتهما حفرة أكبر وسط سحابة دائرية فتربط ذلك بالوجه النمطي المتعارف عليه، عينان وفم وسط دائرة، ثم تصدق أن ما أمامها وجه.

لفهم الأمر، يمكنك أن تتخيل أنك رجل كهف يعتمد على حدة غرائزه للنجاة، أنت جالس في كهفك ذات ليلة باردة بلا باب يمنع المتطفلين عنك، وفجأة تسمع حفيف أوراق بالخارج وأصوات تقترب، يمكن للصوت أن يكون نمرا يتربص جذبته رائحتك والدفء المنبعث من كهفك، تماما كما يمكنه ألا يكون أي شيء إطلاقا، مجرد صوت الرياح يضخمها سكون المكان..

تصور الآن أنك صدقت أن الصوت هو رياح لا غير وانتهى بأن كان نمرا، الأمر يعني أنك بقيت جالسا في كهفك تنتظر هلاكك لأن عقلك لم يربط الأنماط، لم يستنتج أن الصوت يمكن أن يكون لنمر، أو لأنه رفض تصديق الأنماط التي ربطها، ففضل أن يكذب أن الصوت لنمر واختار صوت الرياح، تصور الآن السيناريو المعاكس، أن تصدق أن الصوت لنمر وكان صوت الرياح في النهاية، أنت لن تخسر الكثير مقارنة بالسيناريو السابق، مجرد دفعات أدرينالين زائدة يمكن لجسمك التخلص منها، وبهذا يمكننا أن نفهم لماذا فضلت عقولنا المشي بالسيناريو الثاني، لماذا يخيفنا صوت الريح ونحن وحيدون في غابة ولا نلبث أن نتوقع أنه نمر يتربص، قد ننزعج من ذاك الخوف حينها لكن من الجيد التذكر أنه ما أبقانا على قيد الحياة

إن أدمغتنا بمحاولتها إيجاد معاني للأنماط في كل شيء تمكنت من إبقائنا على قيد الحياة، لكنها كذلك يمكنها أن تقودنا إلى تفسيرات خاطئة فنرى وجوها في الغيوم، وكتابات على سطح القمر، وكلمة “الله” على قطعة خيار، وصفّ حمام يؤدي الصلاة!

ما تأثير هذا على حياتنا اليوم؟ وكيف تفسر الأشخاص الذين يبحثون طوال الوقت عن إسم الله في حبة البطاطا؟