تغرب الشمس لتشرق بيوم جديد، ليس لهذا معنى في المجال العلمي، لكن تبقى كلمة اليوم الجديد هي نفسها، سواءا بالنسبة للعامي أو بالنسبة للعالم أو بالنسبة للفيسلوف أو بالنسبة للزومبي. إلا أن الفرق بينهم يكمن في طريقة استثمار هذا اليوم.

عام جديد يعني أن الكرة الأرضية أكملت دورة كاملة، حول الشمس لمدة 365 يوما بالنسبة للسنة البسيطة، و366 يوما بالنسبة للسنة الكبيسة. هذا انجاز يُحسب لها لأنها قطعت شوطا عظيما في فضاء كوني، مليء بالتحديات والمغامرات، فإن احتفلَتْ، فهذا لأنها حققت دورة كاملة وناجحة.

فوق هذا الكوكب الذي حقق نجاحا في إنجاز عمله، توجد متعضيات مجهرية بالمقياس الكوسمولوجي، تحتفل بالعام الجديد، وإن طرحت عليها سؤالا، ك "لماذا تحتفلون بحلول العام الجديد؟" سيكون الجواب متخبطا تحت تأثير الكحوليات التي لم يصنعوها حتى.

بالطبع، فالجواب الذي يأتي على لسان هؤلاء، يكون تردده عاليا حسب الموجات الإستحمارية، التي ترغب في تحويل الإنتباه من جرح يتعفن إلى طلاء أصابع وردي.

لماذا نسميه عاما جديدا؟؟ هل يعني أن العام الذي مضى قد أصبح قديما؟ أم أن الذي سيأتي سيُصبح جديدا؟

الجديد، يعني أن هناك تحولا من طبيعة متداولة إلى طبيعة لم تكن متداولة من قبل، أي تحول من تكرار لفعل، إلى فعل جديد، أي تحول من مستوى متعود، إلى مستوى لم يكن متعودا من قبل. فهل نحن نعيش هاته الأمور؟ نعم نعيشها إن تعلق الأمر بالإنحلال الذي يُترجم بلغة العوالق إلى الإنفتاح. أما ما يتعلق بالإنجازات والإبداع، فنحن نرتوي على فضلات القارة العجوز، والقارة الصفراء، والقارة التي انتزعت غصبا من الهنود الحمر.

عقول لا تكبد عناء التفكير، ولا تقرأ ولو ثلاث صفحات من كتاب في اليوم، ولا تفهم حتى ما معنى بابا نويل، بل لا تعرف من هو عيسى بن مريم، قد تعرف أنه نبي الله، ولكن لا تعرف شخصيته، ولا تاريخه، لكنها تحتفل. لا بأس إن احتفلت، ولكن على الأقل أجبنا عن سؤال قد حيرنا، لماذا تحتفل؟ أعطي مبررا لسلوكك هذا.. لا تقل لي حرية شخصية، حتى الحمار الذي ينهق، فهو حر في نهيقه، ولكنه يتقبل عبوديته وينهق بالبردعة التي توجد فوق ظهره.

لست حرا، بل إنك أبله، بل تافه، لا تعلم لماذ تفعل هذا؟ وتفعل بكل عجرفة. غباء بوزن صاف، أين يجب أن توضع، عند تصنيف الكائنات بين عاقلة وغير عاقلة. أتملك عقلا؟ طبعا تملكه، ولكن مادوره؟ الإنتشاء بالكحوليات، وعشبة الفضائيين، وسنة سعيدة على صفحة الفايسبوك؟ أعلم أنك ضحية، ولكن ضحية مستسلمة، ولا تعلم أنها ضحية، فريسة سهلة للتبلد، بل فريسة لا تعلم حتى أنها فريسة.

لن أقول لك الإحتفال حرام، ولكن الإحتفال بدون تحديد علته (سببه)، يُعتبرا ضربا من العبثية. فإن احتفل الغربيون، فلأن لهم سببا ومبررا لذلك، أما أنت فلا، يعني أنك فقاعة تطايرت من قنينة شامبانيا، مُخضت بقوة، أثناء احتفال زوجين غربيين بالسنة الجديدة.

قد تجدني مصابا بعقدة أو بمتلازمة، تجعلني أكره الإحتفال بالسنة الجديدة، ولكن لدي مبرر لذلك، وهو أنني لم أحقق شيئا في العام الذي مضى، ولم أضف شيئا للعالم، شيئا قد يحرر الإنسان من الإستغلال. وحتى وإن فعلت، ذلك، فلن أحتفل مادامت المعانات تسبح في كل مكان من هذا العالم. طبعا إنني متشائم، ولكن سأضحك ولن أحتفل، فضحكي فجوة لخروج غبار المشاعر الراكدة، أما الإحتفال فهو نتيجة لإنجاز، لهذا أنا أجدد مشاعري بالضحك، أما الإنجاز فلم أنجزه بعد.

أما أنت يا صديقي المتعضي الذي ترتدى قبعة وتحمل عجاز "جونتلمان" لتظهر بصورة نبيل من طبقة أرستقراطية، فتتهرب من واقعك، وتتخفى وراء جدران غبائك، وتبحث عن حفر للإختفاء، حتى وإن كانت مليئة بجثث متعفنة، إنك لم تفهم بعد ما الفرق بين الدماغ والقضيب. لم تخرج بعد من شرنقة اليوم الأبدي الذي جعلك كآلة سريالية، تُحس أن حالتها توجد فوق-الواقع، مما يجعلها أفضل من حالة الآلات التي استعملت بالكامل، ورميت في المزبلة الصناعية.

إن الشمس تغرب لتأتي بيوم جديد، في صمت ودون ضجيج، لدرجة أننا لا نُحس أنها فعلت ذلك. في حين أنت، ياالذي تقف تحتها، لم تأتي بشيء أبدا، ولم تُبدع، لكن صراخك بسنة جديدة، جعلنا نشك أنك المسؤول عن حركة الأرض حول الشمس.

هدفي هنا هو أن أجعل مشاعرك تنصدم، وأن أحطم صنما في عقلك المتبول، يجعل تفكيرك رخاميا وهلاميا، يتجمد، هدفي هنا هو أن أوضح لك، بأن الذي يحتفل قد تجاوزنا بأعوام وسنين، ويملك جهاز التحكم عن بعد، يستخدمه ليحرك الصنم الذي يوجد في عقلك المتبول. لتتحرك كآلة سريالية، تختفي فوق_الواقع.

محمد_أمزيل

مطرقة_اللانهاية