في ظــل الظروف الراهنـــة، باتــت الحروب الاعلاميـّــة هي سلعــة لا تخــذل تجـّـارها. هنــاك من يتمــرّسها ويربــح مبالــغ قد لا تخطر على بالــك. فــي هذا المجــال، الكبيــر يدعم الصغيـــر، ويــدعم المتقــدم فيه المبــتدئ وتربطهـــم مصالح مشتــركة، حيث كان الصغيــر بالأمس، كبيــراً اليــوم تحديـداً في هذا المجـــال.

هنــاك منافسيـــن لكل الشركــات، والمنتجــدات، هنــاك أعــداء لكل الـــدول، هنــاك حقــد بين الأشخــاص. الكــل له مصلــحة في التــأثيــر سلبــاً على طــرف آخــر. فالقــوّة الناعمــة، لم تعــد ناعمــة، بل هــي الأقــوى في ســقوط إقتصاد الدول، وهزيمــة جيوش، وتشويــه سمعــة منتــج، أو حرمــان شخص من منصــب حتى وإن كان مناسبــاً له.

المشكلـــة الكبيــرة، هــي في عقــولنا، نحــن نميــل إلى تصــديق الأخبــار التــي تتوافــق من رغباتنــــا. بمثــال بسيــط وقــديم، لو قــام أحــدهم بوضع صــورة تفـّـاحة، نقش داخلهــا أسم (محــمـد). المسلميـــن، أكثــر عرضــة لتصــديق تلك الصــورة من غيــرهم، لماذا، لأننــا البشــر نميــل إلى تصــديق وتمريــر المعلومات التي توافق أهواؤنا. فتــجدك عنــدما تكــره دولــة معيـّــنة، أو حكومــتها، وترا خبــراً يوافـــق بالضبـــط ما تريــد أو فكرتــك المسبقـــة، لا تحرص على التــأكــد من المصــدر ومدى صحــّـة الخبــر، تصدق ذلك الخبــر وقد تقوم بإعــادة نشرة. أنا لا أتهمــك، لكن تلك المؤسســات والمجموعــات والأفــراد التي تتاجــر بالقضايــا، تراهـــن على ذلك وللأسف تنجــح.

نشــرت صحيفــة "فاشلة" لا يقــراءها أحــد (موقع على الإنترنت "من النوع الذي يضع عداد زوار ديجيتال") إشاعـــة عن دولة عربيـــة بغرض زيادة عــدد المشاهديــن وإثارة البلبلــة حولهــا. قامــت صحيفة عربيــّـة أخــرى على إثرهـــا بإعـــادة نشــر الإشــاعة في أحدى مواقع التواصل الاجتماعي لأهــداف سياسيــة وأيدلوجيــّة لمعــادات نفس تلك الدولة العربيـّــة. ولم تضــع المصــدر بل اكتفــت بالقــول قالت صحيفـــة (جنسية الصحيفـة) كذا وكذا وكذا. بعــد ذلك تفاجأت من الكــم الهائــل من إعادة النشــر بمواقــع التواصل الإجتمـــاعي، والنقــاشات، والسببـــاب والشتائـــم، وظهــر الإبــداع العربــي في المونتاج لنشــر الخبــر على قنوات اليوتيوب بطريقــة إحترافيـــة وتعليــق صوتــي جميــل ولغــة عربية جميــلة ومتــّسقــة تجعلــك تعيــد مشاهدة المقــطع أكثــر من مــرة وتعيــد نشره، وتحلــم أن تكون ذو قدرات تجعلــك مشهوراً كصاحب المقــطع.

بعدهــا بساعــات، أتضحــت الأدلـــة وضوحاً تامـاً التي تشيــر إلى عكــس مانشــرت تلك الصحــف وتبعاتهــا. وكأنهــم مجموعـــة تعمــل بإدارة موحّــدة، حُذفت الأخبــار، ومقاطع الفيــديو ومنشورات شبكــات التوصل الإجتماعــي كأن شيئاً لم يحــدث. مــع ذلك، كان هنــاك، من يحب أن لا يرى الأدلـــّـة، ويهاجــم ويسب ويشتــم لأن الخبــر يناسب أهواؤهم وأيدلوجيــّاتهم.

في هــذا المقــال، أنا غيــر مهتــم بأي طرف سياســي وليس المقــال سياسياً في المقــام الأوّل لست مع أحـداً أو ضــد أحداً "أرجواك لاتتحدّث عن أي قضيـّـة سياسية في التعليقات". المقال في المقــام الأول عن الأخبــار التي تنتــقل خصـوصــاً عندمــا تكون ضــد كيان ما، تشتهــر جــداً حتــى لو كانت بلا مصــادر، أو أن المصــادر غيــر مؤهلـــة وغيـر معنيــّـة. مثــلاً، عندمــا، يقــول لك مــدير تشغيل شركــة حســوب، أن شركة أمازون، سوف تخفــض أسعـار منتجاتها إلى النــصف في العام المقبــل. نعــم نحن نحتــرم المصــدر، لكنــه غيــر معني بنــشر أخبــار عن شركة أمازون مالم تنشـــر هي ذات الخبــر وهي المعنيـّــة بذلك. فحتــى المصــدر، يحق لنــا سؤالــه أين مصــدرك؟ معقــولة في هذا الوقـــت، النــاس تعتمــد في تصديقهــا أعتماداً كليــاً على (أثبتت الدراسات، أثبتت مصدر مسؤول في ...، نشرت صحيفـــة نيوزلانديــة .... الخ)؟

جميعنــا أيضاً شهدنــا ما حصل للمغرد الذي نشــر معلومــة خاطئــة عن الســويد، أو معلومــة أحمد الشقيــري عن اليابان، هنــا أجزم أن الخــطأ غيــر مقصــود، لكن فكــر كم شخــص تناقــل تلك الشائعــات وفرح بنقلهــا والحديث عنهــا؟ فكــّـر لو كانت تلك الأخــطاء (مقصودة) ومدفوع أجرهــا بآلاف ومئات الآلاف من الدولارات، حتـــى تفرح بهــا أنت وتعيــد نشرهــا.

لن أســألك عن مــدى تقبــلك لفبركة الشائعــات بمقابل مادي في هذا النقاش لأنه موضوع معقــد، لكن سؤالي، بمــاذا تعتمــد على نقــل الأخبــار؟ هل تكتفــي بفكرتك الاستباقيـــة (ما يتوافق مع أفكارك)؟ هل تعتبــر نفسك غيــر مسؤول عندمــا تنقــل أخبــار لا تعلم مدى مصداقيتهــا، وتلقي بالمسؤوليــة على الناقل الأول؟ هل تهتــم فعليــاً إذا كان الخبــر حقيقــي من مصــدراً معني بــه أم أنــه من فبركات الحــرب الاعلاميـــة؟ هل تهتــم إذا ماكنــت روبوتاً يستخــدمه مروجيّ الشائعــات؟