من "الطريق إلى تيخو"، وهي مجموعة مقالات تتناول بدايات الثورة التحررية، نُشرت في مدينة القمر عام 2096. بدأ الطريق إلى تيخو بالنسبة لدان هالبرت في الجامعة، عندما طلبت منه ليزا لينز استعارة حاسوبه بسبب تعطل حاسوبها، ولأنها -إن لم تستعر غيره- قد تخفق في مشروع منتصف العام. لم تجرؤ على الطلب من أحد سوى دان. وضع طلبها دان في موقف محرج؛ لقد كان واجبًا عليه أن يساعدها، لكنه خشي أن تقرأ كتبه إن أعارها حاسوبه؛ وهو الأمر الذي قد يودي به إلى السجن لسنوات طويلة بتهمة السماح للآخرين بقراءة كتبه، وهي الفكرة التي صُدم لسماعها أول مرة. لقد كان يُدرّس كما يُدرّس غيره منذ المرحلة الابتدائية أن مشاركة الكتب تصرف سيء وخاطئ، تصرف لا يفعله إلا القراصنة. كان احتمال افلاته من SPA (سلطة حماية البرمجيات: Software Protection Authority) ضئيلا. لقد تعلم في حصة البرمجيات أن كل كتاب يحتوي مراقب حقوق نشر يرسل وقت ومكان قراءة الكتاب والشخص الذي قرأه إلى مقر الترخيص المركزي. (كانوا يستخدمون هذه المعلومات للقبض على قراصنة القراءة، لكنهم كانوا أيضًا يبيعون سجلات القراءة الشخصية إلى بائعي الكتب.) عندما يتصل حاسوبه بالشبكة، سوف يعرف مقر الترخيص المركزي بذلك، وسوف يعاقب أشد عقوبة -بصفته مالك الحاسوب- لأنه لم يكابد الصعاب لمنع وقوع الجريمة. لم تكن ليزا تريد بالضرورة قراءة كتبه. قد تكون أرادت حاسوبه لكتابة مشروعها. لكن دان كان يعلم أنها من عائلة من الطبقة المتوسطة التي كانت بالكاد تستطيع تحمل نفقة الدراسة، فما بالك برسوم القراءة. قد تكون قراءة كتبه السبيل الوحيد لها لتنجح. كان يتفهم الموقف، فلقد اضطر هو للاقتراض ليدفع ثمن البحوث التي قرأها. (عُشر ذلك الثمن كان للباحثين الذي كتبوا الأبحاث؛ كان دان يأمل أن تساعده أوراقه البحثية -إذا كثر الاستشهاد بها- في تسديد القرض). علم دان لاحقًا أنه في ما مضى كان الناس يستطيعون الذهاب إلى المكتبة لقراءة المقالات الصحفية، بل وحتى الكتب، بدون الدفع. كان آلاف العلماء المستقلين يقرؤون آلاف الأوراق دون الحاجة إلى منح المكتبات الحكومية، لكن في تسعينيات القرن العشرين، كان الناشرون الصحفيون الهادفون للربح وغير الهادفين للربح قد بدؤوا أخذ المال مقابل الوصول. بحلول عام 2046، كادت المكتبات التي توفر للعامة الوصول المجاني إلى المؤلفات العلمية أن تزول من الذاكرة. وُجدت طرق للتحايل على SPA ومقر الترخيص المركزي، لكنها كانت غير قانونية. كان لدان صديق في صفه للبرمجيات اسمه فرانك مارشسي، تمكن من الحصول على أداة تنقيح (debugging tool) غير مشروعة كان يستخدمها لتخطي كود مراقبة حقوق النشر، لكنه أخبر الكثير الكثير من أصدقائه عنها، فأفشى أحدهم به إلى SPA طمعًا في مكافأة مالية (كان يسهل استدراج الطلاب الغارقين في الديون إلى الإفشاء بالأسرار). في عام 2047، كان فرانك في السجن، لا لأجل قرصنة القراءة، بل لاستخدام المنقح. علم دان لاحقًا أنه في ما مضى، كان أي شخص يمكنه الحصول على أدوات تنقيح. كانت تتوفر أدوات تنقيح مجانية على أقراص ويمكن تنزيلها عبر الشبكة، لكن المستخدمين العاديين بدؤوا في استخدامها لتخطي مراقِبات حقوق النشر، فقرر قاضٍ في نهاية المطاف أن استخدام المنقحات الأساسي أصبح لذلك الغرض، وأنها بالتالي غير قانونية؛ وأرسل مطوروا المنقحات إلى السجن. لم يزل المبرمجون -بطبيعة الحال- بحاجة إلى المنقحات، لكن موزعي المنقحات في عام 2047 كانوا يوزعون نسخًا محدودة منها فقط، ولمبرمجين مرخص لهم وموثق عليهم استلامها. كان المنقح الذي استخدمه دان في حصة البرمجيات خلف جداري ناري ليُمنع استخدامه فيما عدا تدريبات الحصة. توصل دان إلى أنه لا يستطيع إعارة ليزا حاسوبه بكل بساطة، لكنه لم يستطع رفض مساعدتها لأنه كان يحبها. كانت كل فرصة للحديث معها تملؤه بالسعادة، ولأنها طلبت منه المساعدة، فقد يعني هذا أنها تحبه أيضًا. حل دان الموقف بطريقة لم تكن بالحسبان، أعارها حاسوبه، وأخبرها بكلمة سره. بهذه الطريقة سوف يعتقد مقر الترخيص المركزي أنه قرأ الكتب إن قرأتها ليزا. كانت هذه جريمة أيضًا لكن SPA لن تتمكن من اكتشافها تلقائيًا، يمكن أن تكتشفها فقط إذا بلّغت ليزا عنه. بالطبع، إن علمت الجامعة أنه أعطى ليزا كلمة سره، فقد ينهي ذلك مسيرتيهما (كليهما) كطالبين، بغض النطر عن سبب استخدامها كلمة سره. كانت تنص سياسة الجامعة على أن أي تلاعب بأنظمة مراقبة حواسيب الطلاب سوف تلاقى بإجرءات تأديبية. لا يهم هل فعلت شيئًا مضرًا أو لم تفعل، فلقد صعّبت مراقبة الإداريين عليك. لقد افترضوا أنك تقوم بشيء ممنوع، ولا يهمهم معرفة ما هو. لم يكن الطلاب يطردون من الجامعة مباشرة لأجل ذلك السبب، لكنهم كانوا يطردون من أنظمة الجامعة الحاسوبية، فيخفقون حتمًا في كل موادهم. علم دان لاحقًا أن هذه السياسة بدأت في ثمنينيات القرن العشرين، عندما بدأ طلاب الجامعات باستخدام الحاسوب بشكل موسع. كانت الجامعة فيما مضى تنتهج منهجا مختلفا في تأديب الطلاب: كانت تعاقب الطلاب الذين يقومون بنشاطات مضرة، وليس كل من يُشك بهم. لم تبلّغ ليزا عن دان لSPA، وكان قراره بمساعدتها قد قاد إلى زواجهما، كما قادهما إلى التفكير في مفهوم القرصنة الذي كانوا يُدرّسونه عندما كانوا صغارًا. بدآ في قراءة تاريخ حقوق النشر، والاتحاد السوفيتي وقيوده على النشر، وحتى دستور الولايات المتحدة الأمريكية الأصلي. هاجرا إلى القمر، فوجدا آخرين أبعدتهم يد SPA الممتدة. عندما بدأت ثورة تيخو عام 2062، أصبح حق القراءة العامة أحد ركائزها.