قبل فترة صدمني الحديث مع أحدهم

كان يتحدث عن كيف أننا سنستعيد الأمجاد وأن العثمانيين كانوا حماة الحرمين

وأن الهجمة الصليبية لا تزال صادمة قائمة، وكيف أننا يجب أن نكمل مسيرة العظماء الفاتحين!! وذلك لعزة الإسلام ونصرة الحق....الخ.

ليست المشكلة هنا فكل تلك الأخطاء يمكن معالجتها ولكن المشكلة هو النظر للتاريخ المؤدلج والتعامل مع الواقع تبعا له وبشكل مثير للشفقة.!!

إن إيجابية التاريخ هي حسن التعامل مع التاريخ لتحسين الحاضر والمستقبل، على سبيل المثال إذا كنت رأيت خطأ ما حصل في التاريخ فليس المهم أن يثبت ذلك أنه وقع أو لم يقع ، إنما مقدار تفاعلنا وكمية تأثرنا.

ليس المقصود هو أن تتأثر بكل ما في التاريخ وإنما على الأقل خذ موقف وغيرك سيعمل على تحسينه ^_^ ، فلو كنت مثلا غير راض عن المجازر التي ارتكبت بحق الأكراد أو بحملات التفتيش أو باستعمال الأطفال في المصانع بشكل غير قانوني أو بتعذيب واستعباد الهنود الحمر وكذلك الأفارقة....فإنه ليس من المفيد أن تذهب مباشرة إلى الدعاية للثأر والرغبة في التحطيم مع أخذ التعويض بالإرغام ...!!

هذا ليس قانونيا، وليس أخلاقيا، وليس عمليا.

نحن لسنا في أحسن العصور ولكننا مع ذلك نتحسن ونمضي إلى الأمام وهذا يبشر بخير ، إن المعذبين والمتسببين في المشاكل منذ عدة قرون كانوا على الأرجح إما عبيد المال أو عبيد السلطة أو عبيد المناصب، لحسن الحظ أن هذا تغير بشكل معين مع بقاء العبودية للأسف لجوانب أخرى!!

ولكن العقل الواعي كان مغيبا، وكان العامل يريد تنفيذ مهمته كما تريد الملكة أو كما يريد الأمير ذو البطن مفتوح الشهية!!.

وليس من الإحسان أن نعاقب أفرادا أو مجتمعات لأجل تصرفات كانت غير محسوبة ومسؤولة!!، لكن هذا لا يمنع من أخذ بعض التأكدات بعدم تكرار ذلك الغباء.

إن التعامل مع التاريخ ليس معناه أن نغير التاريخ ونغربله لنأخذ أحسن ما فينا أو أحسن ما فيهم!!، بل هو أن ننهض بأنفسنا ونصنع إحسانا تعاونيا متراكبا.

إن الكثير من الأخطاء الحاصلة في التاريخ قديما وحديثا تستوجب علينا التعامل لحل آثارها وليس إعادة نكث الجراحات الغائرة!!

كي تنهض الحياة فإننا مسؤولين عن نهضة شاملة بلا تمييز أو تبديل أو بناء على ماض مجروح، إيجابية التاريخ تعني منع الأخطاء وزيادة الإحسان والسلامة والبراءة.

نحن نعالج العالم ليس عن طريق الطبابة فحسب بل حتى عن طريق فسح المجال لتغيير الماضي وتغيير المستقبل وصنع أفضل ما يمكن وبدون الجراحات المنكوبة.

معا بيد واحدة تنفك عقد كثيرة من التشابكات والاضطهادات والمشاحنات الموبؤة والمتراكمة لأسباب سياسية أو دينية فاجرة!!

أعتقد أن اﻹيجابية في النظر للتاريخ ستجعل عالمنا أكثر صفاء ونذهب مباشرة حيث نريد بلا غباوات الماضي،كما يريد بعض المستفيدين من ذلك أن يأكلوا من خير هذه الانتقامات اللعينة وهم عرابوها وهم موقدوها.

إن نظرتنا للتاريخ يجب أن تأخذ منحى آخر وهو التحسين المستمر وذلك عبر النظر في القديم الغابر وأيضا عبر استلهام ما يمكن الاحتراز منه وكذلك عن طريق التعامل بشفافية وبلا حساسية واكتناف.

 كم من الماضي نستطيع تغييره؟! ونجعل العالم أكثر إيجابية بدل كل الماضي المتعفر المهترىء