كانت ليلة مقمرة صافية عندما لم يخطر على بال أحدهم أن الحوت القابع في بطن البحر سيجرؤ للخروج إلى سماء الناس ويبتلع قمرهم المضيء ثم يحول ليلهم الأنيس إلى ظلمة موحشة !

لم يصدق الناس وقاحة هذا الحوت المنقض على قمرهم الجميل الذي غادر البحور السبعة إلى السماء العالية ولم يختر من قناديلها المعلقة في ثوبها الأسود الجميل سوى أكبر جوهرة علقتها السماء في نحرها !

فما كان من الناس سوى أن اندفعوا بكل ما أوتوا من أسلحة فتاكة تردع هذا الحوت عن قمرهم المسالم.. لكن .. السماء عالية جداً والوصول إليها بعيد المنال .. ماذا نفعل ماذا نفعل ؟؟ فكر القرويون البسطاء والتمعت في ذهن أشدهم بساطة لكنه كان أكثرهم حباً للقمر : " لا تستسلموا ! " ثم اندفع نحو المطبخ مخرجا قدوراً وأواني نحاسية وبدأ بالضرب والصفع عليها ليخيف الحوت الجائع و يرغمه على الهروب !

اندفع القرويون و جلبوا أوانيهم النحاسية وقدورهم الفارغة وبدأوا بالرقع والصفع!

هرب الحوت و ترك لهم القمر معلقاً على صدر أمهم السماء .

هلل القرويون احتفالا وامتدت الأهازيج طويلا إلى أن عاد الحوت وتجرأ بتكرار فعلته الشنعاء ..

لكن على من ؟ هذه المرة أتقن القرويون الحل وتعلموا الدرس و كرروه مراراً وتكراراً ثم مراراً وتكراراً ولم يتعلم الحوت الدرس حتي اليوم !

لايزال الحوت يخيف الفتيات الصغيرات من أهل القرية ويظهر لهن في أحلامهم الوردية !

لايزال الحوت يجتمع مع وجهاء القرية في الخفاء ويعلمهم دروس الجبروت على البسطاء !

لا يزال الحوت يوسوس في آذان نساء القرية و يسرب لهنّ أخبار نساء القرية المجاورة وما الذي يرتدينه و كيف صارت لديهن الموضة

لا يزال الحوت يرشد الآباء في تمثيل دور الملائكة على الأبناء

لايزال الحوت يلقي النكت السخيفة و الأشعار الرديئة بين الشباب ويقنعهم كي يروجوا لها

ولايزال أهل القرية حتى اليوم ... يخيفون الحوت كي لا يبتلع قمرهم بأواني النحاس !!