لو سألت طفلاً في الخامسة من العمر عن أيهما كائن حيّ، الدجاجة أم الصّخرة الصغيرة الملقاة في فناء المنزل، فإنه على الأرجح لن يتردد كثيرا وسيختار الدّجاجة، بالرغم من أنه لا يعرف السّبب، لكنّ إجابته صحيحة. وكذلك سيفعل كل شخص بالغ على وجه هذه المعمورة، الفرق الوحيد أنّ تبريراته ستتناسب طردا مع مستواه العلمي.

الآن، لو سألت عُصبة من العلماء الأفذاذ حاملي جائزة نوبل في الأحياء وعلوم الوراثة والهندسة الحيوية والأنتروبولوجيا، فإنّهم سيجيبونك بكثير من الأسف، والحسرةُ تعتصر قلوبهم: ”نحن لا نعلمُ ما هي الحياة تحديدا“

لا تعلمون ماذا بالضبط؟

بالرغم من كون الانسان استطاع سبر أغوار الذرة وما دونها ، ورغم تفوقه على الطبيعة وإخضاعها لإرادته، رغم نجاحه في تعقب صخرة في أعماق الفضاء والنّزول على سطحها، فإننا غير قادرين- للآن-على تعريف الحياة تعريفا دقيقا، كما نعرّف الماء مثلا بأنه مادة مكوّنة من جزئيات أكسيد الهيدروجين.

أنت تمزح بالتأكيد، تعريفُ الحياة بسيط جدا وسأثبت لك ذلك..

هيّا حاول أن تعرّف الحياة أو الكائن الحيّ، وأثبت أن كبار العلماء والمختصّين لا يفقهون شيئا، وأنّ طفلا في الخامسة من العمر أكثر ثقة منهم و أنّ تردّدهم لا مبرّر له.

بمقارنة بسيطة، الدجاجة كائن حيّ لأنها تتحرّك، هي قادرة على الحركة بينما الصخرة ليست كذلك، كما ترى الإجابة سهلة بسيطة والحياةُ ليست معضلة كما تعتقدون، المعضلة بالنسبة لي، هي كيف أن حائزا على جائزة نوبل لم يهتد لمثل هذه الإجابة البسيطة؟

آسف لأخيّب ظنّك..

لكنّ تعريفك للحياة خاطئ جملة و تفصيلا، فالشجرة مثلا غير قادرة على الحركة، إذا استثنينا تمايلها مع الرياح، حسب تعريفك الشجرة كالصخرة ليست كائنا حيّا.

الدجاجة كائن حيّ لأنها قادرة على التكاثر وإنتاج نسخ حيّة عنها ، الصخرة ليست كذلك ، الشجرة أيضا قادرة على التكاثر وكل شيء حيّ كذلك.

أنت بتعريفك هذا تجعل فيروسات الحواسيب كائنات حيّة ، لأنها قادرة على التكاثر ونسخ نفسها كما تفعل الفيروسات في الطبيعة تماما ، أنت أدخلت بتعريفك هذا البلّورات وألسنة اللهب تحت خانة كائن حيّ، وأخرجت البغال والحيوانات العقيمة الأخرى من زمرة الكائنات الحيّة، إلا إذا كنت تعتقد أن الإنسان العقيم ليس حيّا.

الكائنات الحيّة هي كائنات قادرة على استهلاك الطاقة وطرح الفضلات، الدجاجة تفعل ذلك، الشجرة تفعل ذلك، فيروسات الحواسيب والبلّورات لا تفعل والصخور أيضا، هذا هو التعريف الصحيح.

هل تعلمُ أنّك الشخص الوحيدُ في العالم الذي تجرّأ على جعل السيّارات كائنات حيّة، فهي بتعريفك الأخير حيّة كالدجاجة والشجرة لا فرق، فالسيّأرات تستهلك الوقود لتولّد الطاقة وتطرح الفضلات أيضا.

الكائن الحيّ هو ذلك الذي يملكُ أجهزة شديدة التعقيد تختلف درجة التعقيد من كائن لآخر، فتعقيد الأميبيا ليس كتعقيد الكائنات العليا.

لا اتذكّر أنّ الناسا يوما صنّفت روبوتاتها والمكّوكات الفضائيّة التي تصنعها على أنّها كائنات حيّة، ولا أظنها تفعل في المستقبل القريب، بالرغم من أن أجهزتها شديدة التّعقيد، لكنّ الطائرة تبقى جمادا مثلُها مثل الصخرة التي في فناء منزلك.

الكائن الحيّ هو ذلك القادرُ على النموّ، ألا ترى أن الصخرة تبقى صخرة بنفس الحجم تقريبا و لا يتغيّر فيها شيء أبدا؟ أمّا الدجاجة فقد كانت صوصا ثم صارت دجاجة كبيرة، إذن فالنمو هو مفتاح الحياة.

نحن متفّقون أن الكائنات الحيةّ تنمو، الخلية تنمو والبكتيريا تنمو والدودة في فناء الحقل تنمو، كذلك يفعلُ الصدأ.

نعم الصدأ ليس كائنا حيّا لكنّه حجمه يزداد، بالرغم من أنه مجرّد مركّب كيميائي له لون مميّز يزداد حجمه مع الزّمن، لكن كل هذا لا يجعل منه كائنا حيّا.

حسنا، يبدو أن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها، سأستعينُ بعلوم الوراثة وأفكار مندل عن تمرير الصفات والجينات والمحافظة عليها عبر الأجيال، وأقول بثقة كبيرة: الكائن الحيٌ هو القادر على تمرير معلومات عبر الأجيال.

الصدأ لا يفعل ذلك، النّار لا تفعل ذلك ولا البلّورات، السيّارات والطائرات وروبوتات الناسا لا تمرّر المعلومات عبر الأجيال القادمة والاهم من ذلك أن الدجاجة تفعلها.

عزيزي، تذكّر دوما فيروسات الحواسيب، فهي قادرة على تمرير معلوماتها بكفاءة تعادل الخلايا التي تكوّنك. تذكّر الفيروسات في الطبيعة، تذكّر أنّها مجرّد غلاف بروتيني يحمل مادة وراثية، مجرّد قواعد آزوتية تحاول أن تتكاثر و تنتقل عبر الأجيال.

هل بدأت تحسّ بعمق المشكلة؟

لقد أحسّ شرودنجر، عبقريّ الفيزياء، قبلك بعمق المشكلة، و حاول أن يجعل من الفيزياء منقذة، و ان ينصّبها حكيمة بدل الفلسفة، فقال بدون تردّد:

الكائن الحيّ هو القادرُ على صناعة النّظام من الفوضى المحيطة به

كما ترى فإن العمليات الأيضية في الخلايا الحيّة هي نظام معقّد وسط الفوضى التي تحيط به، أنت تصنع من الفوتونات حولك صورة مميّزة، ومن الأصوات حولك شيئا مفهوما، المشكل الوحيدُ في هذا التعريف الجميل أنّ الشمعة تفعل نفس الشيء تماما، وتصنع نظاما، ولو كان بسيطا، وسط الفوضى التي تحيط بها.

بالرغم من محاولة شرودنجر فإنّ الفيزياء النظريّة لم تستطع حلّ هذه المعضلة التي يعرف الجميعُ إجاباتها دون معرفة السّبب.

للأسف يا شرودنجر، الحياة لا تتعلّق بالأنتروبي فقط، والفيزياء لن تأخذ مكان الفلسفة.

لقد بدأت الحيرةُ تدبّ فيّ فعلا..

لقد بدأتُ أشكّ فعلا، إن كنت لا أعرف معنى الحياة فهل يعني هذا بأنّ الصخرة الصغيرة في فناء المنزل حيّة؟ وأنّني ربّما لست حيّا؟

لا نحن لم نقل هذا، أردت فقط الإشارة إلى أنّ تعريف الحياة والموت ليس بسيطا كما نظنّ، حتى إن كنّا نتعرف على الأشكال الحيّة بسهولة. و ربّما تفهم حيرة الفلكيّين الآن، لعلمهم يقينا بأنّ البقعة الحمراء العظيمة على المشتري ليست كائنا حيّا، بالرّغم من أنّها تنمو و تتحرّك و تتفاعل و تخلق النّظام من الفوضى.

الحد الأدنى للحياة

لقد نجح باحثون في أمريكا في صناعة بكتيريا جديدة أو ما يعرف بالكائن الذي يحمل أقلّ عدد من الجينات اللازمة لإبقائه على قيد الحياة، وهي حتى الآن 473 جينا، علما أنّهم لم يستطيعوا تحديد وظيفة 149 جينا منها.

حتّى الآن، الحدّ الأدنى للحياة هو: ”473 جينا لا نعلم وظيفة ثلثها، تسمح للميكوبلازما بالتكاثر والنمو“.

إنّ سؤالي الأول ”هل الدجاجة كائن حيّ؟“ هو في الحقيقة أسئلة كثيرة، أكثر تعقيدا وإثارة.

إن نجح العلماء في تحميل عقل بشري على حاسوب و تم ربطه بروبوت: هل يمكننا تسمية هذا المزيج بالكائن الحيّ؟

هل يمكن إطلاق صفة ”حيّة“ على الطبيعة بكلّ تفاعلاتها المعقدة، قوانينها المربكة وانسجامها المبهر؟ أو ربّما تكون النجوم كائنات حيّة لديها دورة حياة مثلنا، تنتهي بثقب أسود يجسّد المجهول.

هل اكتشاف كائنات فضائية: فلنقل دجاجة فضائية مثلا، سيقلب تعريفنا عن الحياة الأرضية و يجعلنا لوهلة نشكّك في ماذا إن كانت الصّخرة الصغيرة في فناء منزلك، حية فعلا.

كلّها أسئلة تحتاج إلى إجابة عنها، و قد يجيبُ العلم عنها في المستقبل القريب أو لا يفعل. قد لا تكون متأكدا من المفهوم الصحيح للحياة، لكنك متأكدٌ من شيء واحد فقط: ”الحياة فعلا شيء رائع“

إذن ما قولك.. هل الدجاجة كائنُ حيّ؟

dsief