1-الفكرة العلمية قابلة للتكرار:

الفكرة العلمية تأتي عن طريق الملاحظة، التي يعتمد عليها الإنسان أثناء مشاهدته للظواهر الطبيعية. لكنها تتميز عن الفكرة اللاعلمية، في أنها قابلة للتكرار، وأقصد أنها:

-أولا، قابلة للمحاكاة، فالفكرة العلمية يمكننا أن نقوم بتحويلها من قالب فكري إلى قالب مرئي، يُمكن لأي شخص رؤيتها مباشرة، وهذا مايسمى بالتجربة، يعني التأكيد على وجودها الواقعي لجميع البشر رغم إختلافاتهم (اللغوية والفكرية-بإستثناء المجنون والطفل)، حيث يمكننا أن نُكررها في أي مكان وفي أي زمان-بشرط الإحتفاظ بنفس شروط التجربة الأولى.

-ثانيا، قابلة للتنبؤ، فالفكرة العلمية تعتمد على مبدأ السببية، لأنه الأساس المميز لها، فأي نتيجة لها سبب، وهذا يؤدي بنا إلى الحتمية، يعني أننا إذا عرفنا أن نتيجة ما قد أفرزتها أسباب خاصة، فإن حضور تلك الأسباب مرة أخرى، سيؤدي حتما إلى نفس النتيجة -في غالب الأحيان.

2-الفكرة اللاعلمية لا تتجاوز الكلام الشفوي:

الفكرة اللاعلمية، لا نستطيع تحويلها من قالب فكري إلى قالب مرئي، يستطيع أي شخص رؤيتها مباشرة، فلا يمكنك أن تؤكد للآخرين على فكرة لاعلمية. حتى وإن كانت صحيحة، فإنك لا تستطيع أن تُقنعهم بصحتها، فحتى وإن صادفت يوما كائنا غريبا، فلا يُمكنك أن تؤكد للآخرين بأنك رأيته-حقا، و إن حاولت ذلك؛ فقد يظنونك مجنونا أو كاذبا معتوها، فإن أردت أن تُشارك الآخرين بفكرتك اللاعلمية، فإنها لن تتجاوز المجال الشفوي، قد يُصدقك البعض فيما تقوله، لكن الأغلبية لن يُصدقوك.

فالفكرة اللاعلمية لا نستطيع تكررها أمام الآخرين، حتى يُصدقوا صحتها، عكس الفكرة العلمية، لكن يمكن أن تتحول الفكرة اللاعلمية من قالب فكري إلى قالب مرئي، إلا أنها لا تعتمد على الملاحظة المباشرة، وإنما تعتمد على وسائط، بين القالب المرئي والمشاهد، فإن أزيلت تلك الوسائط، فإنها ستتحول إلى عدم، فمثلا يُمكنك تحويل فكرة لاعلمية إلى لوحة فنية، أو إلى فيلم سينمائي، أو إلى خدع سحرية، تعتمد على خفة اليد.

فبالنسبة للوحة الفنية، الوسيط المعتمد عليه هو اللوحة، فإن أزيل، فإن الفكرة اللاعلمية تتحول إلى عدم. و في الفيلم السينمائي، فإن الوسيط المعتمد هو الشاشة، فإن أزيلت تحولت (الفكرة اللاعلمية) إلى عدم. وفي الخدع السحرية، فإن الوسيط المعتمد هو سرعة اليد، فإن أزلنا سرعة اليد، ستتحول الفكرة اللاعلمية إلى عدم. هذه بعض الوسائط التي تعتمد عليها الفكرة اللاعلمية لتتحول إلى قالب مرئي.

3-الفكرة العلمية لها صدى منفعي وعملي:

الإنسان يسعى إلى تحقيق سعادته على الأرض، والسعادة الأقرب إليه في التحقيق، هي تلك التي تمس منفعته، والمقصود بالمنفعة هي، ذلك الهدف الذي يُحقق اللذة أو يبتعد عن الألم.

فالإنسان يبحث عن أي شيء يُحقق له منفعته الخاص، التي ارتبطت منذ القدم، بسيطرته على الطبيعة. فكلما وسع الإنسان من سيطرته على الطبيعة كلما وسع من مجال منفعته. لكن هذه السيطرة، لن تتحقق إلا بوجود وسائل خاصة لذلك، فالإنسان ضعيف بقوته العضلية أمام جبروت الطبيعة. لكنه قوي بقوته العقلية أمامها. فهذه القوة هي التي ساعدته على إبتكار الوسائل التي مكنته في مواجهة الطبيعة للسيطرة عليها.

وما كان الإنسان ليبتكر تلك الوسائل لولا اعتماده على الفكرة العلمية. فالإنسان البدائي مثلا، لاحظ بأن الحيوانات تعتمد على مخالبها في الحفر وفي القتل، وعندما قام بإصطيادها لاحظ بأن مخالبها عبارة عن عظام صلبة وحادة.

وإنطلاقا من ملاحظته هذه، تشكلت لديه فكرة علمية، قام بتكرارها بطريقته الخاصة، حيث أخذ عظام الحيوانات، وقام بشحذها لتُصبح حادة، وبعد ذلك لاحظ بأن الأحجار صلبة، فربط بين الفكرة الأولى وهذه الفكرة (فكرة: الأحجار صلبة)، ليُفرز فكرة علمية جديدة، وهي أن الحجارة أيضا يُمكنها أن تلعب نفس دور العظام -بل أفضل منها- إن أصبحت حادة.

فقام بشحذها، وصنع منها الفأس التي يحفر بها الأرض، وصنع منها الأسلحة التي يقتل بها الأعداء. فحقق بذلك (خلال تلك الفترة) سيطرته على الطبيعة ولو بشكل محدود.

لقراءة الجزء الثاني مواجهة بين الفكرة العلمية والفكرة اللاعلمية (الجزء الثاني): دفاع “الفكرة اللاعلمية”