أنظمة المعلومات الطبية يجب أن تختلف عن أي أنظمة من حيث قدرتها على تخزين و تحويل المعلومة و المعرفة الطبية. أهداف هذه المعلومات مختلفة، على سبيل المثال : رعاية المرضى، تقييم الجودة، البحث و علم الأوبئة و خاصة التعليم.

الطريقة البديهية و الطبيعية للتعبير عن هذه المعلومات هي: اللغة أو كما يسمى “اللغة الطبيعية” أو “النص الحر”. اللغة تعتبر الطريقة االسهلة و التي يفهمها الجميع للتعبيرعن الوقائع و الملاحظات، لتبادل المعرفة.

المشكل في اللغة الطبيعية هي قوتها!!، أنظمة المعلومات تلقى صعوبات كبيرة للتعامل مع المعلومات باللغة الطبيعية وهذا لأن أغلب الأنظمة ولعل كلها تتعامل مع متغيرات شكلية من حيث الجانب الرياضي تحول بينها وبين الفهم الصحيح للغة الطبيعية، لهذا فالهدف و التحدي يكمن في تقديم نموذج شكلي رياضي للتعامل مع المعلومات الطبية. بشكل عام الهدف هو إعطاء الإمكانات للأنظمة حتى يتسنى لها القيام بحسابات على تمثيل للمعلومات الطبية، تبدأ من المقارنة البسيطة بين المعلومات من حيث أوجه الشبه وتحديد الإختلافات الممكنة.

قاعدة هذا النموذج أو التمثيل عبارة عن مخزن موحد لكل الوحدات المعلوماتية التي يكمن التعامل معها : مجموعة المفاهيم المهمة للمجال concepts، و العلاقات relations التي تسمح بربط المفاهيم بعضها ببعض : من الأعم إلى الأخص أو لإنشاء مفاهيم أكثر تعقيدا من خلال مفاهيم بسيطة.

صعوبة تبادل المعلومات :


حتى تحصل عملية تواصل بين شخصين أو نظامين، يجب أن تحتفظ المعلومة المتبادلة بين المرسل و المرسل إليه كل قيمتها المعرفية، الحالة المثالية هي أن تصل المعلومة إلى المرسل إليه كاملة. فيما يخص الأنظمة فإن هذه القاعدة تتحكم فيها الطبقات الستة الأولى من النموذج ISO-OSI والذي من دوره تنظيم التبادل الإلكتروني للمعلومة.

بعد وصول المعلومة يبقى هناك مشكل آخر، وهو أن الطرف الثاني بإمكانه فهم المعلومة بطريقة صحيحة، والسؤال أو المشكل هنا في “التوافقية الدلالية” : semantic interoperability. أهم عامل يجعل المعلومة صعبة القراءة أو الفهم هو مشكل “الغموض الدلالي للمعلومة”، والتي تعبر عن حالة الفهم المتعدد والمختلف لنفس المعلومة من قبل الأنظمة المختلفة، مشكل الغموض المعلوماتي إن وجد فإنه يدل على مشاكل موجودة في نظام التعامل مع المعلومات لعل أهمها : - عدم وجود اجماع أو اتفاق على تعريف معلومة يعتبر أهم عامل يقف وراء وجود الغموض. هذا العامل قد يتأثر بعوامل أخرى تختلف من منطقة إلى أخرى و على مرار الزمن بحسب طبيعة تطور المعرفة أو التقنية خاصة في المجال الطبي. - استعمال كلمات تحمل معاني مختللفة أو مايسميه أصحاب اللغة المشتركات اللفظية، فمثلا العين يمكن أن تعني العين البصيرة كما يمكنها أن تعني عين الماء. - عدم الدقة : و التي هي عبارة عن تعريف غير دقيق للدلالة على معلومة أو مفهوم معين، مثال ذلك الاحتشاء من غير تحديد المنطقة سيؤدي بالضرورة للغموض.

بالاضافة الى الغموض، هناك عامل آخر يصعب الأمور هو مفهوم المترادفات، بصفة عامة كلمتان مترادفتان يعني أنهما تدلان على نفس المفهوم و إن كانتا تختلفان من حيث الكتابة. المترادفات عالم كبير و متفرع في المجال الطبي و مختلف باختلاف المصطلحات، مفهوم المترادفات في المجال الطبي مفهوم نسبي و يختلف من مجال طبي إلى آخر، بحيث يمكن أن تجد كلمتين مترادفتين في مجال الأحياء بينما تربط بينهما علاقة أخرى في مجال طبي أخر كالاحصاء مثلا، و المترادفات من الأمور التي تتغير كثيرا في الزمن مهذا لتطور المفاهيم بسرعة في مجال الطب.

أي ملاحظة نريد ارسالها أو تسجيلها ستكون معقدة أو بسيطة أو يمكننا حتى تقسيمها إلى أقسام بسيطة. مثلا إذا لا يوجد أي مفهوم يمثل معنى “الجلطة القلبية” فإنه يمكننا تقسيمها إلى مفاهيم بسيطة : جلطة و قلب، هذا التقسيم عملية طبيعية و أساسية في اللغة ولكنها تتطلب جهد إضافي عند التحليل من طرف المستقبل. من خلال هذا التحليل البسيط للمشاكل يتضح لنا أهمية النموذج لتمثيل المفاهيم المختلفة و المعارف الطبية المختلفة.

الاصطلاح أو النموذج الاصطلاحي أو لائحة الصطلاحات :


الاصطلاح كعلم يهتم باحصاء المفاهيم و الكلمات الخاصة بمجال خاص. علم الاصطلاح اختص تاريخيا بالجوانب التقنية لتسهيل تبادل المعلومات و المعارف من لغة لأخرى، لتحقيق ذلك نقوم بتوحبد المفاهيم المختلفة من خلال تحديد الكلمات التي تعين بدقة تلك المفاهيم. من جهة أخرى تلك المفاهيم يمكن ربطها بواسطة علاقات مختلفة و خاصة علاقات الاختصاص و الشمول، فمثلا مفهوم “الجلطة القلبية” مفهوم أكثر دقة من “الأمراض القلبية” أو العكس الثاني أكثر شمولية من الأول، لهذا لأن الجلطة مرض من الأمراض القلبية.

أغلب الاصطلحات بكونها تعتمد على الكلمات لتحديد المفاهيم فهي بالتالي تحل مشكل صعوبة تبادل المعلومات كالغموض أو المترادفات، فمشكل الغموض قليل إن لم نقل منعدم.

اصطلاحات مختلفة لأهداف معينة :


عدة أهداف لمعالجة المعلومات الطبية أدى لبزوغ اصطلاحات مختلفة و كثيرة في المجال الطبي : مجال البحث على المعلومة، الاحصاء، وصف الملاحظات السريرية، هذا من حيث المحتوى من حيث الشكل تختلف هذه الاصطلاحات فنجد : المكنزات(thesaurus)، التصنيفات (classification)، التصانيف (nomenclature)، مع العلم أن اعطاء تعريف كافي نستطيع من خلاله تحديد الاختلاف بين هذه الأشكال صعب و غير دقيق.

فمثلا في مجال البحث البيبليوغرافي اشتهر المكنز Medical Subject Heading و التي أخذت شهرتها من خلال محرك البحث المشهور PubMed و الذي تكلمت عليه و عرفته في المقال السابق، في مجال الاحصاء يمكننا ذكر التصنيف ICD10 الذي تتبناه منظمة الصحة الدولية، الهدف من التصنيف هو احصاء خاصة في مجال الأوبئة و الوفيات، النوع الآخير هي التصانيف و التي اشتهرت بكثرة في المجال السريري أو الاكلينيكي بفضل التصنيف SNOMED CT الذي يحتوي على مفاهيم كثيرة و دقيقة من شأنها احتواء هذا المجال الطبي.

و العربية في ذلك :


كالعادة، اختم هذا المقال من خلال التساؤل حول الترجمة في هذا المجال من البحث العلمي، الترجمات موجودة بالعربية و لكنها شبه منعدمة، فما عادا الICD10 و التي تحصلنا على ترجمتها العربية من خلال فريق عملي، فجل الترجمات الأخرى إما غير كاملة أو لا توجد، و هذا إن دل على شيئ فإنما يدل على عدم حاجتنا أو بالأحرى استعمالنا لأنظمة كلها أعجمية لا تعتمد إلا على لغات غير عربية و بالتالي فلا حاجة لنا لمصطلحات موحدة بالعربية فالمشكل غير مطروح، مع أن توحيد المفاهيم و ترجمة المصطلحات من شأنه على الأقل استعمال العربية في أنظمة المعلومات الطبية و لو مع لغة أجنبية أخرى و ذلك أضعف الايمان. و استعمال العربية في الأنظمة من شأنه تسهيل تبادل المعلومات بشكل سهل بين مختلف المنشآت الطبية على المستوى العربي، و هذا المشكل تعاني منه مثلا أوربا و اختلاف لغاتها و التي يجعل مهمة تبادل المعلومات مستحيل لاختلاف اللغات المستعملة من بلد لآخر.