في ما مضى كنت ذلك الشخص الذي دائما يتمتم "العرب جرب" بصوت منخفض عندما يرى فعل سيء من قبل شخص آخر، و هذه العقلية تملكتني منذ صغيري حتى سنوات شبابي، كرهت كل شيء عربي، من الاغاني والفن الى الخط العربي، في هذه المرحلة لم اكترث حتي للأخبار و الأحداث القومية، لدرجة انني اعرف عن السياسة الأميركية بشكل اكبر من سياسة دولتي، و اعرف المرشحين و ماذا يفعلون و اسماء عمدة الولايات اكثر من معرفتي السياسية عن الدولة التي اعيش بها، حتى انني لم اكن اعرف من هو رئيس دولتي و لا حتى اسم رئيس الوزراء، ليس لأنني جاهل، بل لأنني غير مهتم بالأساس، لذا بشكل غير واعي قمت بالهروب من أي شيء اسمه عربي، حتى انني بدأت امشي بأسم اخر (ديكستر) و طلبت من اصدقائي ان ينادوني هكذا لانني لم احب اسمي الاصلي.

و لكن بدأت هذه الصورة تتصدع شيء فشيء حين تعرفت على موقع كان يسمى "أريبيا"، فيه لأول مرة وجدت اشخاص يتجاوزون مدى توقعاتي و اعترافي بهم كأشخاص مميزين، مثيرين للاهتمام حتى لو لم يشاركوني النظرة للحياة، و إيجاد أشخاص هكذا هم قلة بنظري، لذا عندما وجدت مكان يجتمعون به و مكان عربي بالتحديد، كان أمر جليل، فهذا شيء يتعارض مع نظرتي للعالم، لذا كان على ان اغيرها، و لكن قلت لنفسي ان ذلك أنهم قلة، مجرد حالة شاذة عن المجتمع ككل مثلي، المجتمع الذي لا شيء جيد يحصل به.

قبل سنة و نصف تحقق أحد خططي بالسفر لماليزيا و الدراسة بها، عندما وصلت اخترت مكان سكني الذي هو بعيد عن التجمعات العربية لأنه قريب من الجامعة، لم أبالي بكوني بعيد عنهم لأنني لم أرى وجودي بجانبه له أي فائدة، وكذلك اتبعت نفس الشيء في ايجاد اصدقاء و زملاء، اخترتهم لأسباب تتعلق بالدراسة و كونهم بنفس التخصص و نفس الجيدة في حب العلم والتعلم، لم انسحب و اذهب لمصادقة العرب فقط لأنهم عرب، و بالنسبة للمشرف ذهبت مع مشرف صيني صعب لأنه الأفضل في مجال دراستي بدلا من الذهاب مشرف عربي سهل، لأنني على عكس "اغلب" العرب الدارسين هنا، همي الاول و الاخير ان اتعلم بدلا من احصل على الشهادة و أعود لمنزلي.

حتى الاكل توقفت عن الاكل العربي و بدأت في التعود على الاكل الماليزي والياباني والصيني و الهندي والايراني … الخ، لأنه متوفر اكثر وارخص، في ذلك الوقت لم احب ان اصنف نفسي كعربي لأنني لست كذلك، كنت اصنف نفسي كشخص بدون جذور.

في ذلك الوقت لم اصنف نفسي ككاره للعرب، مثل قبل السفر ولكنني لم اعاملهم كشيء افضل من الباقي، مجرد عرق مثل باقي الأعراق، بدأ الوقت يجري و كل من حولي هم أجانب ( مع صديق عربي واحد و لكنه مثلي ) بدأت أشعر في النوستالجيا تجاه العرب والثقافة العربية، بدأت قليلا قليلا اقدر جمال الخط العربي و التاريخ، وجدت نفسي بالصدفة استمع أغاني عربية، اغاني كنت لاهرب من الغرفة إذا بدأت في التلفاز، بدأت اشعر في الفرق عدم وجود هذه التقاليد والعادات العربية في حياتي، و كيف انني افتقد الدفىء العربي.

الدفء العربي قد تسأل عن ماهيته، هي بعض العادات التي تفعلها لكي نشعر بعضنا البعض بأننا عائلة واحدة، عندما تأتي إلى الغرفة تسلم على الجميع و تقول صباح الخير لشخص شخص او عندما تريد ان تذهب للغداء عليك ان تدعوا الجميع و لا تذهب الى مكان تعرف ان احدكم لا يحب ان يأكل به، بينما هذه غير موجودة لدى الصينيين، تجده يدخل الى الغرفة و يجلس و يعمل بدون اي سلام أو حس، ممكن انحناءة اذا تلاقت اعينهم، اواذا وصل الباص ووجدت عجوز تريد الدخول سوف تجري لمساعدتها و تفسح لها مكان للجلوس، و هذه هي القاعدة في ثقافتنا بل إن لم تفعل هذا انت تعتبر عار و انسان شرير، بينما هنا شيء اختباري و تراها بشكل اقل بكثير، و الكثير من الامثلة التي نتميز بها العرب.

من الاشياء التي افتقدتها عند سفري، هو حس الاخوة، عندما تطلب مساعدة احدهم في الشارع سوف يساعدك في كل ما يستطيع، و احيانا يأتي لتقديم المساعدة حتي بدون ان تطلب، لانه فقط رأك تحتاجها، و كذلك الكرم العربي و حب المشاركة لم اجده في الشعوب الاخرى، رأيت بعض الأشخاص هنا يرفضون المساعدة بأشياء تافهة جدا، مثل هل يمكنك ان تراقب حقيبتي لخمس دقائق للذهاب للحمام.

بالنهاية تعلمت ان من الصعب جدا ان ترى حسنات شخص انت اعتبرته سيء منذ البداية، عليك ان تحسن الظن و تعطى الفرصة و ترى الامر من كل النواحي.

لم تتغير نظرتي للعرب فقط بل للشعوب الاخر، بما انني تعرف و عشت مع صينين و يابانين و هنود و ماليزيين و ايرانين و باكستاننين … الخ، ليس كل ما تشاهده بالتلفاز كلها حقيقة، الصينين ليسوا كلهم مثل منتجاتهم، الياباننين ليسوا فعلا كوكب اليابان، الهنود ينقسمون الى قسمين كبيرين و مختلفين جدا، و ليس كل الايرانين مناصرى النظام و بشار، و ليس كل العرب جرب.