"واجب الإنسان الذي يدرس كتابات العلماء إذا كان التعلم هو هدفه الحقيقي، هو أن يجعل نفسه عدو لكل مايقرأه وعليه أن يهاجم ما يقرأ من كل جانب عليه أيضا أن يشك بنفسه بينما يقوم بفحصه النقدي لما يقرأ لكي يتجنب الوقوع بالتحيز أو التساهل." - الحسن ابن الهيثم

لا تقتصر الأسباب التي تشكّل قناعاتنا على المجتمع، البيئة، التعليم والظروف المحيطة فحسب. بل التجارب والخبرات وأسباب أخرى لاتحصى. تلك الأسباب، تضع آثارها في عقولنا التي بدورها تعيد تنظيم أي آثر معكوس لتتشكل القناعات. كل قناعة في العقل تشكّلت بآثار وأوقات ومدد مختلفة عن غيرها. في هذا الموضوع، أريد طرح التساؤل، هل نحن ندقق في قناعاتنا ونضعها تحت الفحص النقدي أم نكتفي بلحظة أكتسابها لنحارب كل حجة تدحضها أو تعبيراً يخالفها فحسب.

أكثر ما يعيق الفحص النقدي للقناعات هو تصنيفها. فا القناعات هي تقديرات لما يعتقده الناس صواب أو خطأ، وقد يكون صواباً أو خطأً جزئياً. فهناك قناعات ثابته أو مسلّمات، وقناعات متغيّرة في عقولنا كبشر. ربما فحص القناعات المتغيرة هي المهمّة الأسهل، وتغييرها ليس صعباً بينما في الغالب يحيل بين إرادة الإنسان ونقد مسلّماته الخوف. قد يكون الخوف من حقيقة معاكسة، أو مجتمع، أو من المجهول.

ما الذي يجعل بعض القناعات ثوابتاً لا تقبل الفحص النقدي؟ حسب خبرتي وخلاصة تفكيري، هما عاملان أساسيان تندرج تحتهما عوامل أخرى هما الجهل والخوف أو كليهما معاً.

هناك شخصية شهيرة على الصعيد الاجتماعي وصف علم الرياضيات بالعلم الذي لا ينفع عبر حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي Twitter. فهذا مثال على أن الجهل أيضاً يدفع صاحبه لإطلاق أحكام سريعة على العلوم والقناعات والبشر بدون الاعتقاد بحاجة جهد البحث والتثبّت.

فا الجهل يغذّي الكبرياء والثقة العمياء بالنفس مما يجعل الشخص بدلاً من أن كون بحاثاً عن الحقيقة، يعتقد أنه المدرك للحقيقة أكثر من غيرة، فيعتقد مهما كان خطأه ممكن أن يتحوّل إلى صواب بشكل أو بآخر.

الجهل أثر اجتماعي يعيق الفحص النقدي للقناعات بشكل عام. وقد يصل إلى أكثر من ذلك، هناك من يناقش بقوة، ويحارب بل قد يقتل لأجل قناعات أصبح لا يؤمن بها حتى، ولكن لا يقبل بأن يظهر بصورة غير المنتصر.

الخوف من المجتمع هي أسهل تلك المعيقات للفحص النقدي لما يسمى المسلمات أو القناعات الثابتة، حيث الشخص يستطيع أن ينتقد ويفحص أفكاره بالخفاء أو كما يقال بصوت داخلي أو منخفض. وقد تهدد وتعاقب بعض المجتمعات أفرادها الذين يتطرقون إلى نقد وفحص بعض المسلمات الاجتماعية.

الخوف من الحقيقة المعاكسة هو بنظري أسواء معيق للفحص النقدي بعد الجهل. حيث يعلم صاحبه أن البحث يمكن أن يغير قناعاته ويجد حقيقة أخرى تعاكس المسلمّة التي يؤمن بها وفي المقابل لا يريد تغيير تلك القناعة أو تعديلها لأسباب متواتره كا الخوف من المجتمع، الجهل والكسل أيضاً.

الخلاصة:

تتطور إنتاجية الفرد والمجتمع حينما تشيع فكرة الفحص النقدي للأفكار والقناعات، فعندما تكون ومن يخالفك في قناعاتك، حصلتما على قناعاتكما بعد فحص الآراء المخالفة كفحص الأدلة والشواهد، وكنتما أقل تعصباً عند نقاش المسلمات، فحتى لو لم ينتهي النقاش إلى نقطة توافق! على الأقل لن يقتل أحداكما الآخر، لن تتبادلا التهم جزافاً ولن يتحول النقاش إلى صراع ديوك.

في النهاية، هل لديك مسلّمات لا تقبل فحصها ونقدها؟ ولماذا؟ وما الذي جعلها مسلّمات؟