لا تغامر بترهات جانبية عندما تكون في وضع حرج !

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

بعد صلاة الجمعة الفائت، وحوالي الساعة الثانية، أتيت المكتب، بعد أن أعتقتني كل من الزوجة والأولاد، وضحّوا بحقهم لعلمهم أني مضغوط بالوقت.

وحيث أني لا أفرق بين جمعة وغيرها من حيث العمل لأن الأصل أن يكون وقت العمل عمل والفراغ فراغ.

فقد قال الله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الجمعة (9-10)

إذا كان المسلمون يعملون حتى يؤذن إلى صلاة الجمعة فإذا انتهت عادوا لعملهم يبتغون من فضل الله.

وأما مسألة العطلة فهي جاءت نتيجة الأنظمة الوضعية والثقافات الأخرى.

ولا يقال نحتاج إلى يوم نرتاح فيه من ضجيج السيارات والزدحام، ومشاكل جو العمل.

فأقول عندما يكون النظام صحيحا تزول الأعراض الجانبية السيئة.

عذرا للتفرع ولكن وجدتها مناسبة لتمرير هذه الفكرة.

نتابع:

وصلت المكتب وضغطت زر اللابتوب وعندما أدخلت كلمة المرور والتي استغرقت خمس ثوانٍ كاملة ، جائني الخاطر ويا ليته لم يأتي.

قلت في نفسي أنا وحدي في المكتب لماذا أضيع كل يوم 5 ثوانٍ لإدخال كلمة المرور، يعني الخاطر كان مغلف بسبب حسن المظهر وهو توفير الوقت.

وفعلا قررت إلغاؤها ، وأثناء المحاولة قمت بتحويل الحساب الحالي من مدير إلى عادي.

وأعدت التشغيل، وطالبني بالكلمة مرة أخرى، فقلت بائت المحاولة الأولى بالفشل، سأبحث عن أخرى.

وهنا كانت الصاعقة الصغرى ، فقد طالبني بإدخال كلمة مرور المدير، فذهبت لأعيد نوع الحساب إلى حساب مدير ، فكانت الصاعقة الكبرى.

حاولت ببعض الكلمات التي أتذكرها دون جدوى، قمت بعشرات المحاولات لكلمات سبق واستخدمتها من عشر سنوات إلى الآن ، دون جدوى.

يا إلهي فقد ضاعت مني نصف ساعة كاملة.

هنا بدأت نفسي تضيق، وبدأت تتشكل مشاعر القلق والحسرة والندامة ، وتزداد مع مرور الوقت.

النصف ساعة، أصبحت ساعة، وساعة ونصف، حتى بلغ مني الضيق مبلغاً.

في هذه اللحظة، ذكرت الله وبدأت أتلو الأذكار مثل قدر الله وما شاء فعل، اللهم أني راضٍ بقضاءك ، ولا سهل إلا ماجعلته سهلا ، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.

وذلك لأخفف من حالة الاحتقان التي وصلت إليها. وفعلا بدأت امتص الصدمة.

وشمرت عن ساعدي وقلت الندب لن يفيد، لأن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام.

وبدأت رحلة البحث الشيقة عن حل لهذه المعضلة.

ولكن كانت النتائج صادمة للغاية، فالغالبية أجمعوا أنه إن كنت تستخدم نظام ويندوز 7 أو 8 ونسيت حساب المدير ، فوفر وقتك وباشر تمشيط المنطقة، وتسويتها بالأرض، لإعادة الإعمار من جديد،

وكلما تقدمت بالبحث، كان القرار يتجه باتجاه سياسة الأرض المحروقة.

إلا أنه كان هناك بارقة أمل من خلال فكرة حصلت عليها من مقطع يوتيوب ولكنها تتطلب جهاز آخر.

آه من أين لي الجهاز الآخر الآن، حينها قررت أن أذهب للمنزل أحضر حاسب الأولاد وهنا كان قد مر ست ساعات.

نزلت صلاة العشاء، وجائتني الفكرة الذكية ، فالشيطان لا تبرز مواهبه إلا أثناء الصلاة وخصوصا الجماعة .

قلت لما لا آخذ اللابتوب بدل من شحن الحاسب ومعداته من المنزل إلى هنا.

نعم حملت اللابتوب وذهبت للمنزل، ومع دخولي ظهرت الابتسامات على الوجوه، يالهم من مساكين ظنوا أني ضحيت بعملي وآثرت الجلوس معهم، ولكن سرعان ما تبددت تلك الابتسامات، عندما

علموا إنما أتيت مقتحما، وغازيا، ومحتلا للحاسوب ، معناه لا لعب اليوم.

وبدأت رحلة المحاولات بمعاونة صديق اللابتوب وهو الحاسب، قمت بتجهيز فلاشة إقلاع ، وأقلعت منها وبحثت عن نقطة استعادة، ويالا حسن الحظ والفرحة فقد وجدت نقطة استعادة منذ يومين،

وفي إحدى الإجابات قالو ربما تعيد وضع المستخدمين كما كانوا وإن كنت غير مقتنع ولكن لا مجال للاقتناع الآن فقد فات الآوان "فالغريق يتعلق بقشة".

وفعلا بدأ الاستعادة وأنا فرح مسرور، وأدعوا الله أن يخلصني من هذا المأزق. بعد مرور بعض الوقت ظهرت رسالة تفيد أنه قام بالاستعاد وهو الآن في مرحلة التشطيبات النهائية.

إذا دقائق وتنتهي المحنة ،

مرت الساعات وهو في حالة إنهاء، إذا لو حالة ابتداء كيف سيكون الحال ؟!!

وفجأة لمعت في عيني فلاشة آخرى موضوعة في اللابتوب، فخطر لي أن أزيلها، وما إن أزلتها حتى انتهت الرسالة، إذا هذه الفلاشة التعيسة كانت حجر العثرة في طريق الإنهاء المنتظر.

ولكن "يافرحة ماتمت" ظهرت رسالة خطأ تقول : فشل في استعادة النظام.

نعيد المحالة فليس هناك خيار آخر، وكل الحلول مطروحة على طاولة المفاوضات.

أعدنا المحاولة وبعد طول انتظار ظهرت رسالة خطأ تقول : إننا على وشك الإنهاء ولكن البلدية "برنامج الحماية" عطل عملنا ومنعنا من إتمام المهمة ، فليتك تتفاهم معه.

طيب لا بأس.

أقلعت محاولا إزالته ، ولكن قال لي "أحضر لي واحد أكبر منك أتفاهم معه فأنت الآن موظف ، نريد مديرا " ولكن المدير مفقود ! فقد ثكله أبوه.

طبعا هنا كانت الزوجة قد نامت ونام الأولاد في سبات عميق بعد أن يئسوا من انتظار المساعدات، والمسكين الداعي عيناه أصبحت تحتاج إلى لاصق لإبقاءها مفتوحة، اقتباسا من توم وجيري.

و هكذا اقترب الفجر واجتمعت خلية الأزمة ، عقلي ونفسي و جوارحي وتم التصويت بالإجماع على نسف الويندوز من جذوره بما فيه من أنتي فايروس و مدنيين و منظمات إنسانية.

فقد بلغى السيل الزبى.

و لكن يجب أن أخرج بعض الجرحى أولا مثل كلمة مفتاح الويندوز و بعض المعلومات ، لأني أحتاجها في إعادة البناء.

ولكن تحتاج إلى وسطاء فلجأت إلى اليوتيوب لأجد طريقة يمكن إخراج الجرحى دون أن يقضوا تحت وطأة النقل.

فلمحت مقطع بشاشة سوداء وكتابة بيضاء و عنوانه يبدأ بكلمة هاك Hack وهنا أصبحنا نحتاج إلى أناس أشرار في تنفيذ أعمال خيرة.

فتحته وإذ به طريقة لاستعادة كلمة مرور المدير وليس مفتاح الويندوز

آَلْآَنَ وقد بحثت عنك كثيرا ولم أجدك

هنا أنتقلت للحاسب الآخر حتى أستطيع متابعة الخطوات خطوة بخطوة على اللابتوب

فليس من المعقول أن ترفع طريحا وأنت واقف على ظهره.

ولكن أين المقطع لما لم يظهر ؟!!

آه تذكرت: أنا واضع الفلتر على الوضع On حماية للأولاد من النتائج المضرة وخصوصا الإباحية، علما أني جربت البحث فلم يمنعها كلها ، فقلت، كان الله بعون اليوتيوب ، ماذا سيلحق من فلترة،

وما أن حررت الفلتر حتى ظهر الفيديو في بداية النتائج.

إذا الفلتر لهكذا أمور، أصلا لو ظهرت لا ما فهم منها شيئا لا الأولاد ولا حتى الزوجة.

تحجبون ما يفيد وتتركون ما يضر، إنها الثقافة الغربية اللعينة التي دمرت العباد والبلاد.

حسنا لا بأس يأتي يوم ويكون لنا يوتيوبنا العربي المسلم.

قمت بتطبيق الخطوات خطوة خطوة، و تقريبا مع نداء المؤذن "الله أكبر الله أكبر" ظهر الفرج ، حقا إن الله أكبر.

فقد جائني النصر بعد أن استيأست.

قال تعالى:

حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ

يوسف (110)

الآن أستطيع النوم بسلام وهناء.

ولكن مهلا، بقي أمر ، فلا يزال هناك متسع من الوقت لإقامة الصلاة الفجر. فعدت من حيث بدأت ، إنها كلمة المرور اللعينة.

فقمت بتعطيلها لأوفر الخمس ثواني التي تضيع مني كل يوم.

صحيح أني أضعت من الوقت خمسة عشرة ساعة ونصف ما يكفيني لإدخال كلمة المرور لمدة ثلاثين سنة للأمام ، إلا أني ألغيتها، ويا له من نصر مظفر.

تماما كما كان يفعل "زينغو ورينغو" في مغامراتهم، فصحيح أنهم أحرقوا البيت وما فيه ، إلا أنهم يكفيهم فخرا ونشوة أنهم استطاعوا شواء الدجاجة في نهاية الأمر.

لقد كانت هذه المحنة درساً قاسيا إلا أني غالبا ما أحاول أن أستخلص اللبن الصافي من بين فرث ودم، فحاولت أن يكون ماحصل درساً لأخذ العبر والمواعظ.

فقد تلقيت عدة رسائل مفادها:

  • لا تغامر بترهات جانبية عندما تكون في وضع حرج وضيق من الوقت.

  • لا تضيع حق الأهل بحجة العمل إلا أن تكون عن تراض بينكما. فرب دعوة تجعل من السهل حزناً.

  • لا تفوت الطاعات بحجة توفير الوقت ، لأن من تفوت طاعته ، هو من بيده الوقت ، وهو من بيده التيسير والتعسير، والفرج بعد الشدة.

  • لا يأتي النصر إلا بعد الاستيئاس من الخلق والنفس، واليقين بقوله تعالى : وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال (10)

  • لست أنت تحدد الحسن والقبيح وإنما الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع لأنه من خالق كل شيء.

  • إدراك معنى قوله تعالى : وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ البقرة (216)

  • إدراك معنى الحديث القدسي :

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:

يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ)

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

  • إدراك معنى الحديث :

عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

(إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم)

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه, ومالك في الموطأ]

نسأل الله أن يحقق آياته في حياتنا :

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي

شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ النور (55)

و

وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ القصص (5)

والله الموفق والمستعان

أخوكم

عبد الرحمن أحمد