يقول الكاتب الإماراتي ياسر حارب متحدثا ًعن أهمية القراءة؛ وأنه لم تنهض أي حضارة إلا بالقراءة والعلم:

إنّ المجتمع الذي يتنافس أفراده على شراء الكتب لا بد من أن يتفوق على المجتمع الذي يتنافس أفراده على شراء الهواتف النقالة...

كنت في لندن عندما صدر أحد أجزاء رواية هاري بوتر، وشاهدت بأم عيني أناساً يفترشون اﻷرصفة أمام المكتبات المنتشرة في منطقة بيكاديللي؛ بانتظار طرح الرواية وشراء النسخ اﻷولى منها، لقد كان هؤلاء يخشون أن تنفذ النسخ ويقرأ غيرهم الرواية قبلهم.

وفي فرنسا، شاهدت في التلفاز أناساً ناموا أمام إحدى المكتبات قبل أن تطرح النسخة الفرنسية من رواية الزهير للمؤلف باولو كويلو؛ حتى يحصلوا على نسخ قبل اﻵخرين.

المكتبة في عرف الدول المتقدمة هي مكان للتواصل مع اﻵخر ومعرفة كل ما هو جديد.

دخلت قبل أعوام إلى المكتبة الوطنية في سنغافوره؛ فوجدتها تغص باﻷطفال والشباب من الجنسين، حتى إنني لم أتمكن من المرور في أحد أقسامها خشية أن أدوس على أرجل الفتية الذين افترشوا اﻷرض بين الكتب، فكان بعضهم يقرأ كتاباً، وبعضهم متسمراً أمام كمبيوتره، ويكتب بعضهم اﻵخر على لوحة بيضاء كبيرة خصصت للشباب ليكتبوا عليها ما يريدون، ويعبروا عن مشاعرهم تجاه قضاياهم المختلفة.

الثقافة في تلك المجتمعات الحية هي مذهب وملة تعرف بها أمام البشرية جمعاء، وتخلد في ذاكرة التاريخ والحضارة.

لا تكمن مشكلتنا في أننا لا نعرف؛ ولكن في أننا لا نريد أن نعرف.

إنّ الكتاب كما يقول فولتير:هو الخطاب الموجه إلى اﻷصدقاء المجهولين على وجه اﻷرض.

وبالكتاب استطاع المسلمون أن يمدوا حضارتهم إلى مسطحات لم تستطع حوافر خيولهم الوصول إليها. وعندما أحرق المسلمون الكتاب، كما فعل الموحدون بكتب ابن رشد، بدأ الانهيار العظيم للحضارة الإسلامية. وعندما ترجمت كتبه إلى العبرية على يد موسى بن ميمون ومن ثم إلى لغات أخرى؛ بدأ النهوض العظيم للحضارة اﻷوربية ومن ثم الغربية.

من خلال الكتب يعيش الإنسان تجارب تعادل أضعاف التجارب التي يعيشها في حياته، ومن خلالها يسافر في التاريخ، ويطوف في اﻷكوان المتناثرة على صفحاتها.

واسمعوا إلى هذه القصة العجيبة:

كان الطفل اﻷمريكي كامبل جينكس، جالساً مع أمه في البيت عندما سمعها تتحدث مع إحدى صديقاتها عن قرار الحكومة بإغلاق ثلث المكتبات العامة في إحدى مقاطعات ولاية كارولاينا الشمالية بالولايات المتحدة؛ بسبب اﻷزمة المالية التي تعصف بالبلاد.

فانطلق الفتى ذو اﻷعوام التسعة إلى أصدقائه ليطلعهم على الخبر الذي نزل عليهم جميعا كالصاعقة.

فكر اﻷطفال قليلاً، ثم قرروا أن يكتبوا رسائل إعتراض على هذا القرار ويرسلوها إلى مجلس المدينة، ولكنهم لم يكتفوا بالكلام فقط؛ فنظموا حملة تبرعات لصالح المكتبات العامة، قاموا من خلالها ببيع العصير الطازج أمام منازلهم، حيث جمع كامبل قرابة 600 دولار، ثم وضع المال في جرة وحمله إلى أحد فروع المكتبات المزمع إغلاقها وتسليمه إلى أمين المكتبة.

تفاجأ المسؤولون في الحكومة بهذه الحملة التي نظمها طلبة الصف الثالث اﻹبتدائي في إحدى مدارس المقاطعة. وبعد اجتماعات مطولة؛ قرروا تخصيص ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار لدعم بعض المكتبات العامة وإبقاء أبوابها مفتوحة.

لا يكمننا المقارنة بين مشاعر أطفالهم ومشاعر أطفالنا في العالم العربي تجاه الكتاب؛ ﻷنّ المقارنة ستكون مجحفة. فنجد أطفالهم يخشون زوال المكتبة، في حين أنّ كثيراً من أطفالنا يتمنون زوالها.

وأخيرا..

لا زلت أذكر عندما كنت صغيراً، كان أبي يحكي لي عن طه حسين وإبداعاته اﻷدبية حتى انبهرت بذلك اﻷديب العظيم، وكيف أنه يقرأ لمدة عشر ساعات يوميا، فسألت أبي: وكيف يقرأ وهو ضرير؟، فقال لي: بأنهُ كان لديه من يقرأ له...

واليوم أسأل أبي مرة أخرى:

ماذا كان سيفعل طه حسين لو كان بصيرا .... ؟"

المصدر:

https://goo.gl/1IyqXS