في زمنٍ صار فيه الصوت أعلى من المعنى، تحوّل الإعلام من منارةٍ تُرشد العقول إلى مكبّرٍ يضخّ الصخب.

لم يعد السؤال: ما الذي حدث؟

بل: كيف نجعل الحدث أكثر إثارة؟

الإعلام الذي كان يُفترض أن يكون عينَ الحقيقة، صار أحيانًا يغمضها عمدًا ليبقي الجمهور مفتونًا بالوهج لا بالضوء.

إنه زمن «الترند» لا «المضمون»، زمنٍ تُقاس فيه قيمة الخبر بعدد المشاركات لا بعمق الأثر، وتُكتب فيه العناوين لتُدهِش لا لتُفهِم.

وما بين ضجيجٍ يصمّ وحقائق تُهمَس في الزوايا، ضاع جوهر الرسالة التي خُلِق الإعلام لأجلها: الإنارة لا الإثارة.

إن الإعلام المعاصر يشبه مصباحًا عتيقًا يشتعل بحرارة ولا يضيء إلا قليلًا؛ يستهلك أعصاب الجمهور ويغذّي شهيته للانفعال، لكنه لا يمنحه معرفة تُبنى عليها رؤية.

وكلما ازداد هذا الضجيج، ازدادت العتمة في العقول، حتى صار المتلقي يعيش في حالة تشويش مستمر: يعرف كل شيء عن لا شيء، ويملك رأيًا في كل موضوع دون أن يفهم جذره.

لقد خسر الإعلام رسالته حين نسي أن النور لا يصدر من الصوت، بل من الصدق.

فليست مهمته أن يُرضي الغرائز أو يستدرّ العواطف، بل أن يقف في وجه الموجة لا على ظهرها؛ أن يذكّر الناس بما ينبغي أن يُقال، لا بما يحبّون سماعه.

فالإعلام الذي لا يضيء، وإن ملأ الدنيا ضجيجًا، يظل صامتًا في جوهره.