منذ اللحظات الأولى لتكوّنه في رحم أمه، لا يكون الجنين كائناً معزولاً، بل هو متلقٍ فطِن، يراقب العالم من حوله عبر نافذة واحدة هي مشاعر أمه. تشير الأبحاث العلمية الحديثة في علم الأجنة وعلم الأعصاب وعلم النفس التطوري إلى أن انفعالات الأم – من حزن وفرح وخوف وطمأنينة – ليست مجرد حالات نفسية عابرة، بل هي رسائل كيميائية وعصبية عميقة تصل مباشرة إلى ذلك "المخلوق العجيب الذكي" في أحشائها، لتترك أثراً قد يمتد طوال حياته.
الرحم: أول بيئة تعلم عاطفي
....................................
الكيمياء العابرة للمشيمة:
عندما تشعر الأم بالتوتر أو الخوف، يفرز جسمها هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين. هذه الهرمونات تعبر المشيمة وتصل إلى الجنين، مما قد يؤثر على نمو دماغه وجهازه العصبي. تكرار التعرض للتوتر الشديد قد يرتبط بزيادة خطر القلق وصعوبات التركيز لدى الطفل لاحقاً. بالمقابل، مشاعر الفرح والطمأنينة تطلق هرمونات مثل الإندورفين والأوكسيتوسين، مما يعزز شعوراً بالأمان لدى الجنين ويدعم نموه الصحي.
الإيقاع والاستجابة:
يسمع الجنين دقات قلب أمه ويتأثر بنبرة صوتها وإيقاع كلامها. صوت الأم المرتجف من الخوف أو الحزن يختلف عن صوتها الدافئ المطمئن أثناء الفرح أو الهدوء. يتعلم الجنين تمييز هذه الأنماط العاطفية ويستجيب لها بحركته أو سكونه.
بناء أسس الذاكرة العاطفية:
بينما لا تتشكل الذكريات الواعية (التي يمكن استدعاؤها) في هذه المرحلة، تتشكل "الذاكرة الضمنية" أو الجسدية. يتعلم الجهاز العصبي للجنين أنماطاً عاطفية معينة (مثل التوتر المتكرر أو الطمأنينة الدائمة) ويخزنها كخبرات أولية تؤثر على كيفية استجابته للعالم بعد الولادة. قد يظهر الطفل الذي تعرض لضغط نفسي كبير في الرحم كرضيع أكثر حساسية أو صعوبة في التهدئة.
يتبع
التعليقات