منذ انطلاقتها، قُدّمت رؤية السعودية 2030 كخارطة طريق لمستقبل طموح، يحرر الاقتصاد من الاعتماد على النفط، ويعيد تشكيل بنية المجتمع نحو الانفتاح والتنوع والاستدامة.

لكن، ماذا لو توقفنا للحظة وسألنا:

هل الرؤية هي "الإجابة النهائية"؟ أم أنها السؤال الكبير الذي نُعيد من خلاله اكتشاف أنفسنا؟

هل هي خريطة طريق جاهزة؟ أم أنها نافذة تُفتح على أسئلة لا تزال تبحث عن صياغة واضحة؟

هذا المقال هو محاولة لقراءتها بشكل فلسفي أعمق: باعتبارها سؤالًا مفتوحًا أمام المجتمع، لا مجرد مجموعة من الأهداف المغلقة.

الرؤية كسؤال: ماذا نريد أن نكون؟

إذا تعاملنا مع رؤية 2030 كإجابة فقط، سنحصرها في مشاريع ومؤشرات وأرقام.

لكن لو نظرنا إليها كسؤال وجودي جماعي، فستصبح فرصة لطرح تساؤلات حقيقية، مثل:

  • ما معنى "نوعية الحياة" في الثقافة السعودية؟
  • كيف نعيد تعريف "العمل" في عصر الذكاء الاصطناعي؟
  • ما دور المرأة، والفن، والتقنية، والدين، والهوية… في بناء المجتمع المتوازن؟
  • هل التنمية هدف مادي فقط؟ أم رحلة لصناعة إنسان أكثر وعيًا، وحرية، ونضجًا؟

بهذا المعنى، تتحول الرؤية من "مشروع اقتصادي" إلى مشروع حضاري يتطلب المشاركة لا المتابعة، والتأمل لا الانبهار.

الفرق بين "الإجابة" و"السؤال"

الإجابة:

- محدودة بزمن وتاريخ وبيئة.

- تحمل نغمة "المعرفة المُنجزة".

-تريح العقل من البحث.

السؤال:

- مفتوح، حيّ، ديناميكي.

- يدعو للتفكير والمراجعة والنقد.

- يُشرك الجميع في صياغة الطريق.

رؤية 2030 بوصفها إجابة فقط قد تُحوَّل إلى شعارات، وأرقام نتابعها من بعيد.

لكن بوصفها سؤالًا وطنيًا عميقًا، تصبح مجالًا لممارسة الوعي، والنقد، والإبداع، والمشاركة في صناعة المستقبل.

مثال واقعي: السياحة

السؤال ليس: "كم عدد الزوار الذين وصلوا للمملكة؟"

بل:

  • كيف نُعيد تقديم بلادنا للعالم دون أن نفقد هويتنا؟
  • ما القصة التي نريد أن يرويها السائح بعد زيارته؟
  • كيف نربط بين الاستثمار في السياحة والاستثمار في الإنسان المحلي؟

الرؤية تفتح بابًا… لكن من الذي سيُحدّد ما وراء هذا الباب؟ نحن، كمجتمع.

التعليم أيضًا… سؤال لا إجابة

أحد أبرز مسارات الرؤية هو تحول التعليم.

لكن بدل أن نسأل: "هل غيرنا المناهج؟ هل أدخلنا التقنية؟"

يجب أن نسأل:

  • ما نوع المواطن الذي نريده في 2030؟
  • هل مدارسنا تبني التفكير؟ أم تكرر الحفظ؟
  • كيف نعلّم الطفل أن يكون صانعًا للرؤية لا مجرد رقم في تقييمها؟

الرؤية لا تعني فقط تحديث المحتوى، بل تحديث الفهم نفسه.

التحدي الحقيقي: من يملك "السؤال"؟

حين تُطرح الرؤية كسؤال، يتغير دور المواطن من متلقٍ إلى شريك.

السؤال يمنح الناس الحق في النقاش، في النقد، في الاقتراح.

لكن حين تُقدَّم الإجابات فقط، يتحول المجتمع إلى جمهور ينتظر النتيجة.

التحول الوطني لا يُبنى فقط بالتمويل، بل أيضًا بحرية التفكير والسؤال.

ولعلّ أكبر نجاح للرؤية ليس ما تحققه من مشروعات، بل ما تُطلقه من أسئلة صادقة حول من نكون… وإلى أين نريد أن نذهب.

خاتمة: الرؤية لا تعني أن نعرف كل شيء… بل أن نبدأ بالسؤال الصحيح

"رؤية 2030" قد تكون من أعظم المشاريع الطموحة في تاريخ السعودية الحديث.

لكن الأهم من الأهداف، هو "المنهج" الذي تُبنى به، والطريقة التي يعيشها المجتمع.

وحين نُعيد قراءتها لا كوثيقة مغلقة، بل كسؤال مفتوح أمام وطنٍ يبحث عن ذاته في زمن متسارع، تصبح الرؤية ليست نهاية الطريق، بل بدايته.

فلنحملها كسؤال:

من نحن؟ وماذا نستحق أن نكون؟

ومن هذا السؤال تبدأ الرحلة الحقيقية.