أحيانًا أجدني أُطمئن ذاتي بعبارات : "الحمد لله على كل حال"، أو "أنا راضٍ بما قسمه الله"، وأغرق في حالة من القبول لكل ما يجري حولي. تبدو هذه العبارات في ظاهرها علامة نُضجٍ واتزان، لكنها مع الوقت بدأت تتحوّل إلى ستارٍ أختبئ خلفه، لأُبرّر تقاعسي عن التغيير، وأخشى به المجازفة، وأُسكت به صوت الطموح.

الرضا قيمة عظيمة، لا شك في ذلك. أن ترضى يعني أنك لا تعيش في صراع دائم مع واقعك، أنك تملك سلامًا داخليًا يحميك من الحقد والحسد والنقمة. لكن... هل يمكن أن يتحول هذا الرضا إلى عائق؟ إلى منطقة راحة قاتلة تَحول بيننا وبين تحقيق إمكانياتنا الكامنة؟

أتذكّر جيدًا صديقًا قديمًا، كان يعمل في وظيفة بسيطة، ورغم أن مهاراته في البرمجة كانت مبهرة، إلا أنه كان يكتفي بالقول: "أنا مرتاح، لا أحتاج أكثر من راتب آخر الشهر". لم بحاول أن يقوم بتطوير نفسه، أن يتعلم أكثر، أن يجرّب بناء مشروعه الخاص. بعد سنوات، وجد نفسه فجأة خارج المنظومة، بعد أن استُبدل بخوارزميات جديدة، وأصبح عاجزًا عن اللحاق بالركب. يومها، لم يكن الرضا حاميًا له، بل كان عبئًا كبّله عن النمو.

أقسى ما في الرضا الزائد أنه يُقنعك بأنك بخير،

حتى وأنت تغرق في الركود. يجعلك ترفض الشكوى، لا لأنك قوي، بل لأنك فقدت حساسية التمييز بين الراحة والاستسلام. في داخلي، كثيرًا ما راودني هذا الإحساس، خصوصًا عندما أشعر أنني أستحق أكثر مما أنا عليه، لكنني أُسكت ذلك الصوت بحجج الرضا، وكأن الطموح بات ذنبًا.

في موقف آخر، قابلت شابة طموحة كانت تحلم بأن تصبح كاتبة، وكانت تملك موهبة حقيقية في السرد. لكنها اختارت أن تعمل بوظيفة لا تمتّ لحلمها بصلة، فقط لأنها "آمنة" ومستقرة. سألتها ذات مرة: "متى ستبدئين في الكتابة؟" فأجابت بابتسامة خافتة: "لست بحاجة إلى إثبات شيء... أنا راضية." شعرت حينها أنها لا تتحدث باسم السلام الداخلي، بل باسم خوف خفي من خوض المعركة.

أنا لا أدعو إلى السخط، ولا إلى الجحود، لكنني أعتقد أن الرضا لا يعني أن نُغلق أبواب الطموح. الرضا الحقيقي ليس أن نقبل بما نحن عليه ونتوقف، بل أن نُحب ما لدينا ونحن نسعى لما نستحق. أن نرى النعم حولنا، لكن نرفض أن نقف عندها إن كنا قادرين على مضاعفتها.

حين يتحوّل الرضا إلى ذريعة للهروب من التطوّر، يصبح شكلًا ناعمًا من أشكال الاستسلام. وربما هنا، يكون علينا أن نراجع أنفسنا: هل ما نشعر به رضا ناضج، أم خضوع متقن التبرير؟

ملاحظة: القصص الواردة في الطرح غيرحقيقية لكنها مألوفة لمعضمنا